ولا تعقلها له لم يبق مجال للتوقف في قبول جسم عظيم في صغير من غير صغر ولا عظم وإن لم تطلع العقول على كيفية ذلك، ومع قيام الدليل على ثبوت أمر لا مجال للتوقف فيه لمجرد عدم تعقله؛ ألا ترى إلى الحكماء كيف حكموا بأن ما وراء الفلك الأطلس لا خلاء ولا ملاء لقيام الدليل عليه عندهم وإن لم يتعقل، ومثله ذات الواجب الوجود جل وعلا، فإنا قاطعون بوجوده مع العجز عن تعقل ذاته، ومثله جزم العقلاء بكونه سبحانه عالما، لقيام الدليل عليه مع حيرتهم في حقيقة العلم أ حصولي هو أم حضوري، فالحصولي لا سبيل إليه، والحضوري ألزم القائل به بأشياء توجب الكفر من جهله تعالى أو قدم العالم.
هذا، ولنا عن البحث عن ذلك غنية، فلسنا مكلفين إلا بالإذعان بكونه عالما، وأما كيفية العلم فلسنا مكلفين بالعلم بها (1) لا سيما على القول باتحاد الذات والصفات، وفيما نحن فيه قد قام الدليل على قدرته تعالى على ذلك بهذه الروايات المعتبرة، والتأويل (2) العقلي إذا عارضه العقلي إنما هو إذا لم يكن العقلي واردا لإثبات ذلك المطلب الذي أباه العقل بخصوصه، وإلا ففي تأويله رد على قائله، وذلك كفر نعوذ بالله منه.
فإن قيل: ما قررتموه مبني على القول بأن سبب إحساس المبصرات هو الانطباع والارتسام، وأما على القول بأن سببه إنما هو انفصال خطوط شعاعية تحدث بمعونة إحداث النور في جسم بين الناظر والمبصرات كالهواء وتلك الأشعة على هيئة شكل مخروطي رأسه مما يلي العين وقاعدته مما يلي نهاية المبصرات فلا يتم ما ذكرتموه.
قيل: قد ذهب إلى كل قول فريق من الناظرين في علم المناظر، ولا دليل نعتد به من الجانبين مع تأييد القول بالارتسام والانطباع بما ورد عن ينابيع الحكمة ومخازن العلم صلوات الله عليهم، فهو الصواب وعليه المعول، والله سبحانه ولي التوفيق.