اعلم أنه صلوات الله عليه لما نزل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم)، بعرفات - وقد كان يقدم إليه جبرئيل (عليه السلام) بالأمر بنصبه أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة في الأمة بعد إعلامه إياه (عليه السلام) بانتهاء أجله، ولكن كان ذلك الأمر غير مضيق قال عند ذلك: أمتي حديثو عهد بجاهلية (1) إلخ يشير به إلى ما صدر عنهم من نحو " قد ضل محمد في ابن عمه " إلى غير ذلك من الأباطيل، ثم إنه صلوات الله عليه أخطر في قلبه من غير أن ينطق به لسانه " فأتتني عزيمة " (2) إلخ، أي ليست لي من الله سبحانه عزيمة، أي إرادة جازمة غير موسع فيها بتبليغ ما أمرت به في ابن عمي، فهذا كلام لفظه خبر ومعناه (3) إنشاء، فإنه صلوات الله عليه يتحسر ويتمنى أن يحصل له تلك العزيمة الموصوفة بالأوصاف الثلاثة: أولها أن تكون من الله سبحانه. ثانيها أن تكون بتلة، أي غير موسع فيها. ثالثها أن تكون موعودا فيها بالعذاب مع المخالفة، وتداخل بعض الصفات في بعض غير عزيز في كلامهم.
ويمكن جعل جملة " أوعدني " استيناف (4) عن قوله: " بتلة "، كأن قائلا قال: وما العزيمة البتلة؟ ومما يوضح أنه قد كان أمر بنصب علي خليفة أمرا موسعا ثم ضيق عليه فيه قول المفيد (رحمه الله) في إرشاده: " وكان سبب نزوله (عليه السلام) في غدير خم مع أنه منزل بلا ماء ولا كلاء نزول القرآن عليه بنصبه عليا (عليه السلام) خليفة في الأمة من بعده، وقد كان تقدم إليه الوحي في ذلك من غير توقيت له، فأخره لحضور وقت يأمن فيه من الاختلاف عليه، وعلم الله سبحانه أنه إن تجاوز غدير خم انفصل [عنه] كثير من الناس إلى أماكنهم فأنزل عليه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) (5) الآية ". (6)