الأبوين لو أمراه حقيقة لم يصح تعيين أحدهما بعد الابهام كما في الأجنبيين، وإن لم يأمراه صريحا صح التعيين، ولو فرضوا المسألة ابتداء في الأجنبيين لتوهم أن الأبوين لا يصح تعيين أحدهما لوجود الامر دلالة ففرضوها في الأبوين لإفادة صحة التعيين وإن وجد الامر دلالة، وليفيدوا أن المراد بالامر في المسألة الأولى الامر صريحا، والله أعلم.
تنبيه: الذي تحصل لنمن مجموع ما قررناه أن من أهل بحجة عن شخصين، فإن أمراه بالحج وقع حجه عن نفسه البتة، وإن عين أحدهما بعد ذلك، وله بعد الفراغ جعل ثوابه لهما أو لأحدهما وإن لم يأمراه فكذلك، إلا إذا كان وارثا وكان على الميت حج الفرض ولم يوص به فيقع عن الميت حجة الاسلام للامر دلالة وللنص بخلاف ما إذا أوصى به لان غرضه ثوا ب الانفاق من ماله، فلا يصح تبرع الوارث عنه، وبخلاف الأجنبي مطلقا لعدم الامر. قوله: (لأنه متبرع بالثواب) بيان لوجه صحة التعيين في مسألة الأبوين دون مسألة الآمر، وهو معنى ما قدمناه من قوله في الفتح:
ومبناه على أن نيته لهما تلغى لعدم الامر فهو متبرع الخ.
قال في الشرنبلالية: قلت: وتعليل المسألة يفيد وقوع الحج عن الفاعل، فيسقط به الفرض عنه وإن جعل ثوابه لغيره، ويفيد ذلك الأحاديث التي رواها في الفتح بقوله: اعلم أن فعل الولد ذلك مندوب إليه جدا. لما أخرج الدارقطني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عنه (ص) لمن حج عن أبويه أو قضى عنهما مغرما بعث يوم القيامة مع الأبرار. وأخرج أيضا عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال: من حج عن أبيه وأمه فقد قضى عنه حجته، وكان له فضل عشر حجج.
وأخرج أيضا عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): إذا حج الرجل عن والديه تقبل منه ومنهما، واستبشرت أرواحهما، وكتب عند الله برا اه.
أقول: قد علمت مما قررناه أنه إذا حج الوارث عنهما وعلى أحدهما فرض لم يوص به يقع عن الميت لسقوط الفرض عنه بذلك إن شاء الله تعالى. وحينئذ فكيف يصح دعوى سقوط الفرض به عن الفاعل أيضا وقد صرفه إلى غيره وأجزنا صرفه، نعم يظهر ذلك فيما إذا كان على أحدهما فرض أو وصي به أو لم يكن عليه فرض أصلا، ويدل على ذلك قوله في الفتح: وإنما يجعل لهما الثواب وترتبه بعد الأداء، ومثله قول قاضيخان في شرح الجامع: وإنما يجعل ثواب فعله لهما، وهو جائز عندنا وجعل ثواب حجه لغيره لا يكون إلا بعد أداء الحج، فبطلت نيته في الاحرام، فكان له أن يجعل الثواب لأيهما شاء اه. فهذا صريح في أن النية لم تقع لهما، وأن الأعمال وقعت له، فله جعل ثوابها لمن شاء بعد الأداء، فيمكن ادعاء سقوط الفرض عن الفاعل بذلك كما حررناه في مسألة الحج عن الآمرين، وبه يعلم جواز جعل لانسان ثواب فرضه لغيره كما ذكرناه أول الباب.
وأما إذا كان على الميت فرض لم يوص به وسقط به فرض الميت يلزم منه وقوع النية والأعمال له لا للفاعل، إلا أن يقال إن الأعمال تقع للعامل هنا أيضا كما هو مقتضى إطلاق عبارة الفتح وقاضيخان وغيرهما، ولكن يسقط بها الفرض عن الميت فضلا من الله تعالى عملا بالنص، وهو حديث الخثعمية وإن خالف القياس، ولذا علقه أبو حنيفة بالمشيئة، ويسقط بها الفرض عن الفاعل أيضا أخذا من الأحاديث المذكورة، ولذا كان الوارث مخالفا لحكم الأجنبي في ذلك.