لا يقال: يمكن أن يكون له مال سواها مما لا زكاة فيه كدور السكنى وثياب البذلة مما يبلغ مقدار ما عليه أو يزيد فتجب الزكاة فيها من غير أن يكون لنصاب آخر سواها. لأنا نقول: إنه لما خلطها ملكها وصار مثلها دينا في ذمته لا عينها، وقدمنا أن الدين يصرف أولا إلى مال الزكاة دون غيره، حتى لو تزوج على خادم بغير عينه وله مائتا درهم وخدام صرف دين المهر إلى المائتين دون الخادم: أي فلو حال الحول على المائتين لا زكاة عليه لاشتغالها بالدين مع وجود ما يفي به من جنسه وهو الخادم، وهنا كذلك ما لم يملك نصابا زائدا، نعم تظهر الثمرة فيما إذا أبرأه المغصوب منهم كما نقله في البحر عن المبتغى بالغين المعجمة، وقال: وهو قيد حسن يجب حفظه اه. أو إذا صالح غرماءه على عقار مثلا فيبقى ما غصبه سالما عن الدين فتجب زكاته.
وقد يجاب عن الاشكال كما أفاده شيخنا بأن المراد ما إذا لم يعلم أصحاب المال المغصوب، لان الدين إنما يمنع وجوب الزكاة إذا كان له مطالب من جهة العباد ويجهل أصحابه لا يبقى له مطالب فلا يمنع وجوبها.
قلت: لكن قدمنا عن القنية والبزازية أن ما وجب التصدق بكله لا يفيد التصدق ببعضه، لان المغصوب إن علمت أصحابه أو ورثتهم وجب رده عليهم، وإلا وجب التصدق به. وأيضا فقد مر أن الامراء فقراء بما عليهم من التبعات، ولا شك أن غالب غرمائهم مجهولون، وتقدم أيضا أن الموصى به للفقراء لو دفعه إلى السلطان الجائر سقط، فجواز أخذه الزكاة لفقره ينافي وجوبها عليه، وإن جاز أخذه لها مع وجوبها عليه لعلة أخرى كعدم وصوله إلى ماله كابن السبيل ومن له دين مؤجل. تأمل.
مطلب: في التصدق من المال الحرام قوله: (وفي شر الوهبانية الخ) فيه دفع لما عسى يورد على قول المتن: فتجب الزكاة فيه من أنه مال خبيث فكيف يزكي منه؟ لكن علمت أنه لا تجب زكاته إلا إذا استبرأ من صاحبه أو صالح عنه فيزول خبثه نعم لو أخرج زكاة المال الحلال من مال حرام: ذكر في الوهبانية أنه يجزئ عند البعض، ونقل القولين في القنية. وقال في البزازية: ولو نوى في المال الخبيث الذي وجبت صدقته أن يقع عن الزكاة وقع عنها اه: أي نوى في الذي وجب التصدق ب لجهل أربابه، وفيه تقييد لقول الظهيرية: رجل دفع إلى فقير من المال الحرام شيئا يرجو به الثواب يكفر، ولو علم الفقير بذلك فدعا له وأمن المعطى كفرا جميعا. ونظمه في الوهبانية وفي شرحها: ينبغي أن يكون كذلك لو كان المؤمن أجنبيا غير المعطي والقابض، وكثير من الناس عنه غافلون ومن الجهال فيه واقعون اه.
قلت: الدفع إلى الفقير غير قيد، بل مثله فيما يظهر لو بنى من الحرام بعينه مسجدا ونحوه مما يرجو به التقرب لان العلة رجاء الثواب فيما فيه العقاب، ولا يكون ذلك إلا باعتقاد حله. قوله: (إذا تصدق بالحرام القطعي) أي مع رجاء الثواب الناشئ عن استحلاله كما مر، فافهم. قوله: (لا يكفر) اقتصر على نفي الكفر لان التصرف به قبل أداء بدله لا يحل وإن ملكه بالخلط كما علمته. وفي حاشية الحموي عن الذخيرة: سئل الفقيه أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمراء السلطان وجمع المال