مطلب مهم المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاد ومعرفة بأحوال الناس قلت: والتعليل للأصح بالاستقذار يدل على تقييده بأن تبرد فيتحد مع القول الثاني لقولهم:
إن اللقمة الحارة يخرجها، ثم يأكلها عادة ولا يعافها، لكن هذا مبني على أن الفداء الموجب للكفارة ما يميل الطبع، وتنقضي به شهوة البطن لا ما يعود نفعه إلى صلاح البدن، والشارح فيما سيأتي اعتمد الثاني وسيأتي الكلام فيه. وذكر في الفتح فيما لو أكل لحما بين أسنانه قدر الحمصة فأكثر عليه الكفارة عند زفر لا عند أبي يوسف لأنه يعافه الطبع فصار بمنزلة التراب، فقال: والتحقيق أن المفتي في الوقائع لا بد له من ضرب اجتهاده ومعرفة بأحوال الناس، وقد عرف أن الكفارة تفتقر إلى كمال الجناية فينظر في صاحب الواقعة إن كان مما يعاف طبعه ذلك أخذ بقول أبي يوسف، وإلا أخذ بقول زفر. قوله: (ولم ينزل) أما لو أنزل قضى فقط كما سيذكره المصنف: أي بلا كفارة.
قال في الفتح وعمل المرأتين كعمل الرجال جماع أيضا فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلا إذا أنزلت ولا كفارة مع الانزال اه. قوله: (يعني في غير السبيلين) أشار لما في الفتح حيث قال: أراد بالفرج كلا من القبل والدبر، فما دونه حينئذ التفخيذ والتبطين اه: أي لان الفرج لا يشمل الدبر لغة وإن شمله حكما. قال في المغرب: الفرج: قبل الرجل والمرأة باتفاق أهل اللغة، ثم قال: وقوله الدبر كلاهما فرج: يعني في الحكم اه.
مطلب في حكم الاستمناء بالكف قوله: (وكذا الاستمناء بالكف) أي في كونه لا يفسد، لكن هذا إذا لم ينزل، أما إذا أنزل فعليه القضاء كما سيصرح به وهو المختار كما يأتي، لكن المتبادر من كلامه الانزال بقرينة ما بعده فيكون على خلاف المختار. قوله: (ولو خاف الزنى الخ) الظاهر أنه غير قيد، بل لو تعين الخلاص من الزنى به وجب لأنه أخف. وعبارة الفتح: فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء أن لا يعاقب اه. زاد في معراج الدراية وعن أحمد والشافعي في القديم الترخص فيه، وفي الجديد يحرم، ويجوز أن يستمني زوجته وخادمته اه. وسيذكر الشارح في الحدود عن الجوهرة أنه يكره، ولعل المراد به كراهة التنزيه، فلا ينافي قول المعراج. تأمل. وفي السراج: إن أراد بذلك تسكين الشهوة المفرطة الشاغلة للقلب وكان عزبا لا زوجة له ولا أمة، أو كان إلا أنه لا يقدر على الوصول إليها لعذر قال أبو الليث: أرجو أن لا وبال عليه، وأما إذا فعله لاستحلاب الشهوة فهو آثم اه.
بقي هنا شئ، وهو أن علة الاثم هل هي كون ذلك استمتاعا بالجزء كما يفيد الحديث وتقييدهم كونه بالكف ويلحق به ما لو أدخل ذكره بين فخذيه مثلا حتى أمنى، أم هي سفح الماء وتهييج الشهوة في غير محلها بغير عذر كما يفيده قوله: وأما إذا فعله لاستجلاب الشهوة الخ؟ لم أر من صرح بشئ من ذلك، والظاهر الأخير لان فعله بيد زوجته ونحوها فيه سفح الماء لكن بالاستمتاع بجزء مباح، كما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين بخلاف ما إذا كان بكفه ونحوه، وعلى هذا فلو أدخل ذكره في حائط أو نحو حتى أمنى أو استمنى بكفه بحائل يمنع الحرارة يأثم أيضا، ويدل أيضا على ما قلنا في الزيلعي حيث استدل على عدم حله بالكف بقوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون) * الآية. وقال: فلم يبح الاستمتاع إلا بهما: أي بالزوجة والأمة اه. فأفاد عدم