. قلت: قد يقال بسقوط نفس الحق إذا مات قبل المقدرة على أدائه، سواء كان حق الله تعالى أو حق عباده، وليس في تركته ما يفي به، لأنه إذا سقط إثم التأخير ولم يتحقق منه إثم بعده فلا مانع من سقوط نفس الحق، أما حق الله تعالى فظاهر، وأما حق العبد فالله تعالى يرضي خصمه عنه كما مر في الحديث. والظاهر أن هذا هو مراد القائلين بتكفير المظالم أيضا، وإلا لم يبق للقول بتكفيرها محل، على أن نفس مطل الدين حق عبد أيضا، لان فيه جناية عليه بتأخير حقه عنه، فحيث قالوا بسقوطه فليسقط نفس الدين أيضا عند العجز كما تقدم عن عياض، لكن تقييد عياض بالتوبة والعجز غير ظاهر، لان التوبة مكفرة بنفسها، وهي إنما تسقط حق الله تعالى لا حق العبد، فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الأحاديث المارة، وأما إنه لا قائل بسقوط الدين فنقول: نعم:
ذلك عند القدرة عليه بعد الحج، وعليه يحمل كلام الشارحين المار، وحينئذ صح قول الشارح كحربي أسلم بهذا الاعتبار، فافهم.
ثم اعلم أن تجويزهم تكفير الكبائر بالهجرة والحج مناف لنقل عياض الاجماع على أنه لا يكفرها إلا التوبة، ولا سيما على القول بتكفير المظالم أيضا، بل القول بتكفير إثم المطل وتأخير الصلاة ينافيه لأنه كبيرة، وقد كفرها الحج بلا توبة، وكذا ينافيه عموم قوله تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وهو اعتقاد أهل الحق أن من مات مصرا على الكبائر كلها سوى الكفر فإنه قد يعفى عنه بشفاعة أو بمحض الفضل.
والحاصل كما في البحر أن المسألة ظنية، فلا يقطع بتكفير الحج للكبائر من حقوقه تعالى فضلا عن حقوق العباد، والله تعالى أعلم. قوله: (ضعيف) أي بكنانة وابنه عبد الله فإنهما ساقطا الاحتجاج كما مر، لا بأبيه العباس بن مرداس كما وقع في البحر فإنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما بين في محله، فافهم.
مطلب في دخول البيت قوله: (يندب دخول البيت) وينبغي أن يقصد مصلاه (ص). وكان عمر إذا دخله مشى قبل وجهه وجعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريب من ثلاثة أذرع، ثم يصلي يتوخى مصلى رسول الله (ص)، وليست البلاطة الخضراء بين العمودين مصلاه عليه الصلاة والسلام، فإذا صلى إلى الجدار المذكور يضع خده عليه ويستغفر ويحمد، ثم يأتي الأركان فيحمد ويهلل ويسبح ويكبر ويسأل الله تعالى ما شاء، ويلزم الأدب ما استطاع بظاهره وباطنه. فتح. قوله: (إذا لم يشتمل الخ) ومثله فيما يظهر دفع الرشوة على دخوله لقوله في شرح اللباب: ويحرم أخذ الأجرة ممن يدخل البيت أو يقصده زيارة مقام إبراهيم عليه السلام بلا خلاف بين علماء الاسلام وأئمة الأنام، كما صرح به في البحر وغيره ا ه.
وقد صرحوا بأن ما حرم أخذه حرم دفعه إلا لضرورة ولا ضرورة هنا، لان دخول البيت ليس من مناسك الحج.