لكن نقل المناوي عن بعض الحفاظ أن هذا حديث باطل لا أصل له، نعم ذكر الغزالي في الاحياء):
قال بعض السلف: إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفل كل أهل عرفة، وهو أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله (ص) حجة الوداع وكان واقفا إذ نزل قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (سورة المائدة الآية: 3). فقال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناه يوم عيد، فقال عمر رضي الله عنه: أشهد لقد أنزلت في يوم عيدين اثنين: يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله (ص) وهو واقف بعرفة ا ه. قوله: (بلا واسطة) في المنسك الكبير للسندي: فإن قيل قد ورد أنه يغفر لجميع أهل الوقف مطلقا فما وجه تخصيص ذلك بيوم الجمعة؟ قيل: لأنه يغفر الجمعة بلا واسطة، وفي غيره يهب قوما لقوم وقيل: إنه يغفر في وقفة الجمعة للحاج وغيره، وفي غيره للحاج فقط.
فإن قيل: قد يكون في الموقف من لا يقبل حجه فكيف يغفر له؟ قيل: يحتمل أن تغفر له الذنوب ولا يثاب ثواب الحج المبرور، فالمغفرة غير مقيدة بالقبول، والذي يوجب هذا أن الأحاديث وردت بالمغفرة لجميع أهل الموقف فلا بد من هذا القيد، والله أعلم.
مطلب في الحج الأكبر تتمة: قال العلامة نوح في رسالته المصنفة في تحقيق الحج الأكبر: قيل إنه الذي حج فيه رسول الله (ص) وهو المشهور. وقيل يوم عرفة جمعة أو غيرها، وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم. وقيل يوم النحر، وإليه ذهب علي وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة. وقيل إنه أيام منى كلها، وهو قول مجاهد وسفيان الثوري. وقال مجاهد: الحج الأكبر القران، والأصغر الافراد.
وقال الزهري والشعبي وعطاء: الأكبر الحج، والأصغر العمرة. قوله: (ضاق وقت العشاء والوقوف) بأن كان لو مكث ليصلي العشاء في الطريق يطلع الفجر قبل وصوله إلى عرفة، ولو ذهب ووقف يفوت وقت العشاء. قوله: (يدع الصلاة الخ) مشى عليه في (السراج)، واختار في شرح اللباب عكسه، لان تأخير الوقوف لعذر مع إمكان التدارك في العام القابل جائز، وليس في الشرع ترك فرض حاضر لتحصيل فرض آخر. قال: وهذا هو الظاهر المتبادر من الأدلة النقلية والعقلية، وهو مختار الرافعي خلافا للنوي من الأئمة الشافعية. وقال صاحب النخبة: يصلي ماشيا مومئا على قول من يراه ثم يقضيه احتياطا، قال: وهذا قول حسن وجمع مستحسن ا ه.
مطلب في تكفير الحج الكبائر قوله: (قيل نعم الخ) أي لحديث ابن ماجة في سننه المروي عن عبد الله بن كنانة ابن عباس بن مرداس أن أباه أخبر عن أبيه أن رسول الله (ص) دعا لامته عشية عرفة، فأجيب:
إني قد غفرت لهم، ما خلا المظالم فإني أخذ للمظلوم منه، فقال: أي رب إن شئت أعطيت المظلوم الجنة وغفرت للظالم، فلم يجب عشية عرفة، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأل الحديث. وقال ابن حبان: إن كنانة روى عنه ابنه منكر الحديث كلاهما ساقط الاحتجاج.
وقال البيهقي: هذا الحديث له شواهد كثير ذكرناها في كتاب الشعب، فإن صح بشواهده ففيه الحجة، وإلا فقد قال تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (سورة النساء: الآية 84). وظلم بعضهم بعضا دون الشرك ا ه.