من أخذ الغرامات المحرمات وغير ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي أن لا يأكل منه ويسعه حكما أن يأكله إن كان ذلك الطعام لم يكن في يد المطعم غصبا أو رشوة اه: أي إن لم يكن عين الغصب أو الرشوة لأنه لم يملكه فهو نفس الحرام فلا يحل له ولا لغيره. وذكر في البزازية هنا أن من لا يحل له أخذ الصدقة فالأفضل له أن لا يأخذ جائزة السلطان.
ثم قال: وكان العلامة بخوارزم لا يأكل من طعامهم ويأخذ جوائزهم، فقيل له فيه، فقال تقديم الطعام يكون إباحة، والمباح له يتلفه على ملك المبيح فيكون آكلا طعام الظالم، والجائزة تمليك فيتصرف في ملك نفسه اه.
قلت: ولعله مبني على القول بأن الحرام لا يتعدى إلى ذمتين، وسيأتي تحقيق خلافه في البيع الفاسد والحظر والإباحة. قوله: (لأنه ليس بحرام بعينه الخ) يوهم أنه قبل الخلط حرام لعينه مع أن المصرح به في كتب الأصول أن مال الغير حرام لغيره لا لعينه، بخلاف لحم الميتة وإن كانت حرمته قطعية، إلا أن يجاب بأن المراد ليس هو نفس الحرام لأنه ملكه بالخلط، وإنما الحرام التصرف فيه قبل أداء بدله.
ففي البزازية قبيل كتاب الزكاة: ما يأخذه من المال ظلما ويخلطه بماله وبمال مظلوم آخر يصير ملكا له وينقطع حق الأول فلا يكون أخذه عندنا حراما محضا، نعم لا يباح الانتفاع به قبل أداء البدل في الصحيح من المذهب اه.
مطلب: استحلال المعصية القطعية كفر لكن في شرح العقائد النسفية: استحلال المعصية كفر إذا ثبت كونها معصية بدليل قطعي، وعلى هذا تفرع ما ذكر في الفتاوى من أنه إذا اعتقد الحرام حلالا، فإن كان حرمته لعينه وقد ثبت بدليل قطعي يكفر، وإلا فلا بأن تكون حرمته لغيره أو ثبت بدليل ظني. وبعضهم لم يفرق بين الحرام لعينه ولغيره وقال: من استحل حراما قد علم في دين النبي عليه الصلاة والسلام تحريمه كنكاح المحارم فكافر اه. قال شارحه المحقق ابن الغرس: وهو التحقيق. وفائدة الخلاف تظهر في أكل مال الغير ظلما فإنه يكفر مستحله على أحد القولين اه.
وحاصله أن شرط الكفر على القول الأول شيئان: قطعية الدليل، وكونه حراما لعينه. وعلى الثاني يشترط الشرط الأول فقط وعلمت ترجيحه، وما في البزازية مبني عليه. قوله: (ولو عجل ذو نصاب) قيد بكونه ذا نصاب، لأنه لو ملك أقل منه فعجل خمسة عن مائتين ثم تم الحول على مائتين لا يجوز، وفيه شرطان آخران: أن لا ينقطع النصاب في أثناء الحول، فلو عجل خمسة من مائتين ثم هلك ما فيه يده إلا رهما ثم استفاد فتم الحول على مائتين جاز ما عجل، بخلاف ما لو هلك الكل. وأن يكون النصاب كاملا في آخر الحول، فلو عجل شاة من أربعين وحال الحول وعنده تسعة وثلاثون، فإن كان دفعها للفقير وقعت نفلا، وإن كانت قائمة في يد الساعي فالمختار كما في الخلاصة وقوعها زكاة، وتمامه في النهر والبحر. قوله: (لسنين) بأن كان له ثلاثمائة درهم دفع منها مائة درهم عن المائتين عشرين سنة، وقوله: أو لنصب صورته: أن يدفع المائة المذكور عن