قوله: (دائرة في رمضان اتفاقا) أي دائرة معه، بمعنى أنها توجد كلما وجد، فهي مختصة به عند الامام وصاحبيه، لكنها عندهما في ليلة معينة منه، وعنده لا تتعين، ويشير إلى ما قلنا في تفسير الدوران ما في البحر عن الكافي: ليلة القدر في رمضان دائرة لكنها تتقدم وتتأخر. وعندهما: تكون في رمضان ولا تتقدم ولا تتأخر اه. فافهم. قوله: (لجواز كونها في الأول) أي في رمضان الأول:
في الأولى: أي في الليلة الأولى منه، وفي رمضان الآتي في الليلة الأخيرة منه، فإذا انسلخ رمضان الأول لا يقع للاحتمال الأول، وإذا لم ينسلخ الآتي لا يقع أيضا للاحتمال الثاني، فإذا انسلخ الآتي تحقق وجودها في أحدهما فحينئذ. قوله: (إذا مضى الخ) يعني إذا كانت هي الليلة الأولى فقد وقع بأول ليلة من القابل، وإن كانت الثانية، أو الثالثة الخ فقد وجدت في الماضي، فيتحقق عندهما وجودها قطعا بأول ليلة من القابل. رملي. قوله: (لكن قيده الخ) أي قيد صاحب المحيط الافتاء بقول الإمام يكون الحالف فقيها: أي عالما باختلاف العلماء فيها، وإلا فلو كان عاميا فهي ليلة السابع والعشرين لان يسمونها ليلة القدر، فينصرف حلفه إلى ما تعارف عنده كما هو أحد الأقوال فيها، وله أدلة من الأحاديث، وأجاب عنها الامام بأن ذلك كان في ذلك العام.
تتمة: ما ذكره عن الامام هو قول له، وذكر في البحر عن الخانية أن المشهور عن الامام أنها تدور: أي في السنة كلها، قد تكون في رمضان وقد تكون في غيره اه.
قلت: ويؤيده ما ذكره سلطان العارفين سيدي محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية بقوله:
واختلف الناس في ليلة القدر: أعني في زمانها، فمنهم من قال: هي في السنة كلها تدور، وبه أول.
فإني رأيتها في شعبان، وفي شهر ربيع، وفي شهر رمضان، وأكثر ما رأيتها في شهر رمضان وفي العشر الآخر منه، ورأيتها مرة في العشر الوسط من رمضان في غير ليلة وتر وفي الوتر منها، فأنا على يقين من أنها تدور في السنة في وتر وشفع من الشهر اه. وفيها للعلماء أقوال أخر بلغت ستة وأربعين.
خاتمة: قال في معراج الدراية: اعلم أن ليلة القدر ليلة فاضلة يستحب طلبها، وهي أفضل ليالي السنة، وكل عمل خير فيها يعدل ألف عمل في غيرها. وعن ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ نصيبه منها، وعن الشافعي: العشاء والصبح، ويراها من المؤمنين من شاء الله تعالى. وعن المهلب من المالكية: لا تمكن رؤيتها على الحقيقة، وهو غلط، وينبغي لمن يراها أن يكتمها ويدعو الله تعالى بالاخلاص اه.
اللهم إنا نسألك الاخلاص في القول والعمل وحسن الختام عند انتهاء الاجل، والعون على الاتمام يا ذا الجلال والاكرام، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.