أي يجب اعتقاده، وظاهر كلامهم أنه يجب اعتقاد وجوبه، إذ لو لم يجب عليه اعتقاد وجوبه لما أمكن إيجاب فعله، لأنه لا يجب فعل ما لا يعتقده واجبا، ولذا أشكل قولهما بسنيته ووجوب قضائه، كما يأتي. ويدل عليه أيضا قول الأصوليين في الواجب: إن حكمه اللزوم عملا لا علما على اليقين، فقولهم على اليقين يفيد أن حكمه اللزوم عملا وعلما على الظن، فيلزمه أن يعلم ظنيته: أي أنه واجب وإلا لغا قولهم على اليقين، وحينئذ فيشكل قول الزيلعي إن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي إلا أن يجاب بأن المراد ليس بفرض، حتى لو لم يعتقد وجوبه لا يكفر، لان الوجوب يطلق بمعنى الفرض أيضا كما مر، فليتأمل. قوله: (وسنة ثبوتا) أي ثبوته علم من جهة السنة لا القرآن، وهي قوله (ص) الوتر حق، فمن لم يوتر فليس مني، قاله ثلاثا رواه أبو داود والحاكم وصححه، وقوله (ص) أوتروا قبل أن تصبحوا رواه مسلم، والامر للوجوب، وتمامه في شرح المنية. قوله: (بين الروايات) أي الثلاث المروية عن أبي حنيفة، فإنه روي عنه أنه فرض، وأنه واجب، وأنه سنة، والتوفيق أولى من التفريق، فرجع الكل إلى الوجوب إلي مشى عليه في الكنز وغيره. قال في البحر: وهو آخر أقوال الامام، وهو الصحيح. محيط، والأصح. خانية، وهو الظاهر من مذهبه. مبسوط ا ه. ثم قال: وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا، لكنها آكد سائر السنن المؤقتة. قوله: (وعليه الخ) أي على ما ذكر من التوفيق، فإنه لو حملت رواية الفرض على ظاهرها لزم إكفار جاحده، ولو حملت رواية الواجب على ظاهرها، وهو كون المراد بالواجب ما يتبادر منه، وهو ما لا يفوت الجواز بفوته، ولا يعامل معاملة الفرض، لزم أن لا يفسد الفجر بتذكره ولا عكسه، ولو حملت رواية السنة على ظاهرها لزم أن لا يقضي، وأن يصح قاعدا وراكبا، ففي تفريع المصنف لف ونشر مرتب، فافهم. قوله: (فلا يكفر جاحده) أي جاحد أصل الوتر اتفاقا، لأن عدم الإكفار لازم السنية والوجوب، كما صرح به في فتح القدير ح.
قلت: والمراد الجحود مع رسوخ الأدب، كأن يكون لشبهة دليل أو نوع تأويل، فلا ينافيه ما يأتي من أنه لو ترك السنن فإن رآها حقا أثم، وإلا كفر، لأنهم عللوه بأنه ترك استخفافا، كما عزاه في البحر إلى التجنيس والنوازل والمحيط، ولقوله في شرح المنية: ولا يكفر جاحده إلا إن استخف، ولم يره حقا على المعنى الذي مر في السنن ا ه. وأراد بما مر، هو أن يقول: هذا فعل النبي (ص) وأنا لا أفعله.
مطلب في منكر الوتر والسنن أو الاجماع ثم اعلم أنه قال في الأشباه: ويكفر بإنكار أصل الوتر والأضحية ا ه. ومثله في القنية.
ومفهومه أن المراد هنا جحود وجوبه، ويؤيده تعليل الزيلعي بثبوته بخبر الواحد، فإن الثابت بخبر الواحد وجوبه لا أصل مشروعيته، بل هي ثابتة بإجماع الأمة، ومعلومة من الدين ضرورة.
وقد صرح بعض المحققين من الشافعية بأن من أنكر مشروعية السنن الراتبة أو صلاة العيدين يكفر لأنها معلومة من الدين بالضرورة، وسيأتي في سنن الفجر أنه يخشى الكفر على منكرها.
قلت: ولعل المراد الانكار بنوع تأويل، وإلا فلا خلاف في مشروعيتها. وقد صرح في التحرير في باب الاجماع بأن منكر حكم الاجماع القطعي يكفي عند الحنفية وطائفة. وقالت طائفة: