لهذه الثلاثة لما فيها من المضاعفة، بخلاف بقية المساجد فإنها متساوية في ذلك، فلا يرد أنه قد تشد الرحال لغير ذلك كصلة رحم وتعلم علم وزيادة المشاهد كقبر النبي (ص) وقبر الخليل عليه السلام وسائر الأئمة. قوله: (وكذا بقية القرب) أي كالصوم والاعتكاف والصدقة والذكر والقراءة ونقل الباقاني عن الطحاوي اختصاص هذه المضاعفة بالفرائض، وعن غيره النوافل كذلك.
مطلب في المجاورة بالمدينة المشرفة ومكة المكرمة قوله: (ولا تكره المجاورة بالمدينة الخ) وقيل تكره كمكة، وقيل إنها على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه وقدمناه قبيل القران، واختار في اللباب أن المجاورة بالمدينة أفضل منها بمكة وأيده بوجوه، وبحث فيها شارحه القاري ترجيحا لما اختاره في الفتح حيث ذكر فضل المجاورة بمكة، ثم قال: لكن الفائز بهذا مع السلامة أقل القليل، فلا يبنى الفقه باعتبارهم، ولا يذكر حالهم قيدا في الجواز، لان شأن النفوس الدعوى الكاذبة، وأنها لأكذب ما تكون إذا حلفت فكيف إذا ادعت. وعلى هذا فيجب كون الجوار بالمدينة المشرفة كذلك، فإن تضاعف السيئات أو تعاظمها إن فقد فيها فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الاخلال بواجب التوقير والاجلال قائم ا ه. قال ح: وهو وجيه، فكان ينبغي للشارح أن ينص على الكراهة ويترك التقييد بالوثوق: أي اعتبارا للغالب من حال الناس لا سيما أهل هذا الزمان، والله المستعان.
خاتمة: يستحب إذا عزم على الرجوع إلى أهله أن يودع المسجد بصلاة، ويدعو بعدها بما أحب، وأن يأتي القبر الكريم فيسلم ويدعو ويسأل الله تعالى أن يوصله إلى أهله سالما، ويقول:
غير مودع يا رسول الله ويجتهد في خروج الدمع فإنه من أمارات القبول: وينبغي أن يتصدق بشئ على جيران النبي (ص) ثم ينصرف متباكيا متحسرا على مفارقة الحضرة النبوية كما في الفتح.
وفيه: ومن سنن الرجوع أن يكبر على كل شرف من الأرض ويقول: آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده وهذا متفق عليه عنه عليه الصلاة والسلام. وإذا أشرف على بلده حرك دابته ويقول: آيبون الخ، ويرسل إلى أهله من يخبرهم ولا يبغتهم فإنه منهي عنه، وإذا دخلها بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين إن لم يكن وقت كراهة، ثم يدخل منزلة ويصلي فيه ركعتين، ويحمد الله ويشكره على ما أولاه من إتمام العبادة والرجوع بالسلامة، ويديم حمده وشكره مدة حياته، ويجتهد في مجانبة ما يوجب الاحباط في باقي عمره، وعلامة الحج المبرور أن يعود خيرا مما كان.
وهذا إتمام ما يسر الله تعالى لعبده الضعيف من ربع العبادات، أسأل الله رب العالمين ذا الجود العميم أن يحقق لي فيه الاخلاص، ويجعله نافعا إلى يوم القيامة إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وأن يسهل إكمال هذا الكتاب من الاخلاص والنفع العميم لي ولعامة العباد في أكثر البلاد، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أقول: الظاهر