مطلب في دفن الميت قوله: (وحفر قبره الخ) شروع في مسائل الدفن. وهو فرض كفاية إن أمكن إجماعا. حلية.
واحترز بالامكان عما إذا لم يمكن، كما لو مات في سفينة كما يأتي. ومفاده أنه لا يجزي دفنه على وجه الأرض ببناء عليه كما ذكره الشافعية، ولم أره لائمتنا صريحا، وأشار بإفراد الضمير إلى ما تقدم من أنه لا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة، وهذا في الابتداء، وكذا بعده. قال في الفتح: ولا يحفر قبر لدفن آخر إلا إن بلي الأول فلم يبق له عظم إلا أن لا يوجد، فتضم عظام الأول ويجعل بينهما حاجز من تراب. ويكره الدفن في الفساقي اه. وهي كبيت معقود بالبناء يسع جماعة قياما لمخالفتها السنة. إمداد. والكراهة فيها من وجوه: عدم اللحد، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز، وتجصيصها، والبناء عليها. بحر. (قال في الحلية): وخصوصا إن كان فيها ميت لم يبل، وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبول التي لم تبل أربابها، وإدخال أجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر، وليس من الضرورة المبيحة لجمع ميتين فأكثر ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه أو ضيق المحل في تلك المقبرة مع وجود غيرها، وإن كانت مما يتبرك بالدفن فيها فضلا عن كون ذلك ونحوه مبيحا للنبش، وإدخال البعض على البعض قبل البلاء مع ما فيه من هتك حرمة الميت الأول وتفريق أجزائه، فالحذر من ذلك اه. وقال الزيلعي: ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه اه. قال في الامداد: ويخالفه ما في التاترخانية: إذا صار الميت ترابا في القبر يكره دفن غيره في قبره، لان الحرمة باقية، وإن جمعوا عظامه في ناحية ثم دفن غيره فيه تبركا بالجيران الصالحين ويوجد موضع فارغ يكره ذلك اه.
قلت: لكن في هذا مشقة عظيمة، فالأولى (1) إناطة الجواز بالبلاء، إذا لا يمكن أن يعد لكل ميت قبر لا يدفن فيه غيره، وإن صار الأول ترابا لا سيما في الأمصار الكبيرة الجامعة، وإلا لزم أن تعم القبول السهل والوعر، على أن المنع من الحفر إلى أن لا يبقى عظم عسر جدا وإن أمكن ذلك لبعض الناس، لكن الكلام في جعله حكما عاما لكل أحد، فتأمل.
تتمة: قال في الاحكام: لا بأس بأن يقبر المسلم في مقابر المشركين إذا لم يبق من علاماتهم شئ كما في خزانة الفتاوى، وإن بقي من عظامهم شئ تنبش وترفع الآثار وتتخذ مسجدا، لما روي: أن مسجد النبي (ص) كان قبل مقبرة للمشركين فنبشت كذا في الواقعات اه.
قوله: (في غير دار) يغني عنه ما يأتي متنا. قوله: (مقدار نصف قامة الخ)، أو إلى حد الصدر، وإن زاد إلى مقدار قامة فهو أحسن كما في الذخيرة، فعلم أن الأدنى نصف القامة والأعلى القامة، وما بينهما شرح المنية، وهذا حد العمق، والمقصود منه المبالغة في منع الرائحة ونبش السباع. وفي القهستاني: وطوله على قدر طول الميت، وعرضه على قدر نصف طوله. قوله: (ويلحد) لأنه السنة وصفته أن يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت