والمصدق بتخفيف الصاد وتشديد الدال اسم جنس لهما. قوله: (تغليبا الخ) دفع لما يقال: إن ما يأخذه من الكافر ليس بصدقة. قوله: (الظاهرة والباطنة) فإن مال الزكاة نوعان: ظاهر، وهو المواشي، وما يمر به التاجر على العاشر، وباطن: وهو الذهب والفضة، وأموال التجارة في مواضعها. بحر. ومراده هنا بالباطنة ما عدا المواشي، بقرينة قوله: المارين بأموالهم وإلا فكل ما مر به على العاشر فهو من نوع الظاهر، وسماها باطنة باعتبار ما كان قبل المرور، أما الباطنة التي في بيته لو أخبر بها العاشر فلا يأخذ منها كما سرح به في البحر، وسيأتي متنا أيضا، وأشار بهذا التعميم إلى رد ما في العناية وغيرها من أن المراد هنا الأموال الباطنة، لأن الظاهرة: وهي السوائم لا يحتاج العاشر فيها إلى مور صاحب المال عليه، فإنه يأخذ عشرها وإن لم يمر صاحب المال عليه اه.
فإنه كما في النهر مبني على عدم التفرقة بين العاشر والساعي، وقد علمت التفرقة بينهما بما مر، وهي مذكورة في البدائع.
مطلب: ما ورد في ذم العشار قوله: (وما ورد من ذم العشار الخ) من ذلك ما رواه الطبراني إن الله تعالى يدنو من خلقه: [أي برحمته وجوده وفضله] فيغفر لمن شاء إلا لبغي بفرجها أو عشار وما رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول: لا يدخل صاحب مكس الجنة قال يزيد بن هارون يعني: العشار. وقال البغوي: يريد بصاحب المكس الذي يأخذ من التجار إذا مروا عليه مكسا باسم العشر: أي الزكاة. قال الحافظ المنذري: أما الآن فإنهم يأخذونه مكسا باسم العشر، ومكسا آخر ليس له اسم، بل شئ يأخذونه حراما وسحتا، ويأكلونه في بطونهم نارا، حجتهم فيه داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد، كذا في الزواجر لابن حجر.
مطلب: لا تسقط الزكاة بالدفع إلى العاشر في زماننا ثم قال: واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة، وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي، لان الامام لا ينصب المكاسين لقبض الزكاة، بل لاخذ عشورات مال وجدوه قل أو كثر، وجبت فيه الزكاة أو لا اه. وتمامه هناك.
قلت: على أنه اليوم صار المكاس يقاطع الامام بشئ يدفعه إليه ويصير يأخذ ما يأخذه لنفسه ظلما وعدوانا، ويأخذ ذلك، ولو مر التاجر عليه أو على مكاس آخر في العام الواحد مرارا متعددة، ولو كان لا تجب عليه الزكاة، فعلم أيضا أنه لا يحسب من الزكاة عندنا لأنه ليس هو العاشر الذي ينصبه الامام على الطريق ليأخذ الصدقات من المارين، وقد مر أيضا أنه لا بد من شرط: أن يأمن به التجار من اللصوص، ويحميهم منهم وهذا يعقد على أبواب البلدة، ويؤذي البحار أكثر من اللصوص وقطاع الطريق ويأخذه منهم قهرا، ولذا قال في البزازية: إذا نوى أن يكون المكس زكاة فالصحيح أنه لا يقع عن الزكاة، كذا قال الامام السرخسي اه. وأشار بالصحيح إلى القول بأنه إذا نوى عند الدفع التصدق على المكاس جاز، لأنه فقير بما عليه من التبعات، وقد مر الكلام عليه.