عدم الثواب لا يستلزم عد السقوط عن ذمته اه. على أن الثواب لا ينعدم كما علمت، وسنذكر فيما لو أهل بحث عن أبويه أنه قيل إنه يجزيه عن حج الفرض، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر، ويؤيد أيضا قوله في جامع الفتاوى: وقيل لا يجوز في الفرائض. وبحث أيضا أن الظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم يجعل ثوابه لغيره لاطلاق كلامهم اه.
قلت: وإذا قلنا بشموله للفريضة أفاد ذلك، لان الفرض ينويه عن نفسه، فإذا صح جعل ثوابه لغيره دل على أنه لا يلزم في وصول الثواب أن ينوي الغير عند الفعل، وقدمنا في آخر الجنائز قبيل باب الشهيد عن ابن القيم الحنبلي أنه اختلف عندهم في أنه هل يشترط نية الغير عند الفعل؟ فقيل:
لا، لكن الثواب له فله التبرع به لمن أراد، وقيل نعم، وهو الأولى لأنه إذا وقع له لم يقبل انتقاله عنه، وقدمنا عنه أيضا أنه لا يتشرط في الوصول أن يهديه بلفظه، كما لو أعطى فقيرا بنية الزكاة لان السنة لم تشترط ذلك في حديث الحج عن الغير ونحوه، نعم لو فعله لنفسه ثم نوى جعل ثوابه لغيره لم يكف، كما لو نوى أن يهب أو يعتق أو يتصدق وأنه يصح إهداء نصف الثواب أو ربعه. ويوضحه أنه لو أهدى الكل إلى أربعة يحصل لكل ربعه، وتمامه هناك.
مطلب فيمن أخذ في عبادته شيئا من الدنيا تنبيه: قال في البحر: ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطي، وينبغي أن لا يصح ذلك اه. أي لأنه إن كان أخذه على عبادة سابقة يكون ذلك بيعا لها، وذلك باطل قطعا، وإن كان أخذه ليعمل يكون إجارة على الطاعة وهي باطلة أيضا كما نص عليه في المتون والشروح والفتاوى، إلا فيما استثناه المتأخرون من جواز الاستئجار على التعليم والاذان والإمامة، وعللوه بالضرورة وخوف ضياع الدين في زماننا لانقطاع ما كان يعطى من بيت المال.
وبه علم أنه لا يجوز الاستئجار على الحج عن الميت لعدم الضرورة كما يأتي بيانه في هذا الباب، ولا على التلاوة والذكر لعدم الضرورة أيضا، وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا شفاء العليل وبل الغليل في بطلان الوصية بالختمات والتهاليل، فافهم. قوله: (له جعل ثوابها لغيره) أي خلافا للمعتزلة في كل العبادات، ولمالك والشافعي في العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة فلا يقولان بوصولها، بخلاف غيرها كالصدقة والحج، وليس الخلاف في أن له ذلك أو لا، كما هو ظاهر اللفظ، بل في أنه ينجعل بالجعل أو لا، بل يلغو جعله. أفاده في الفتح: أي الخلاف وفي وصول الثواب وعدمه. قوله: (لغيره) أي من الاحياء والأموات. بحر عن البدائع.
قلت: وشمل إطلاق الغير النبي (ص)، ولم أر من صرح بذلك من أئمتنا، وفيه نزاع طويل لغيرهم. والذي رجحه الامام السبكي وعامة المتأخرين منهم: الجواز كما بسطناه آخر الجنائز، فراجعه. قوله: (وإن نواها الخ) قدمنا الكلام عليه قريبا. قوله: (لظاهر الأدلة) علة لقوله له جعل ثوابها لغيره وهو من إضافة الصفة للموصوف: أي للأدلة الظاهرة: أي الواضحة الجلية، فالظهور بالمعنى اللغوي الأصولي، لان الأدلة فيه متواترة قطعية الدلالة على المراد، لا تحتمل التأويل كما تعرفه. قوله: (أي إلا إذا وهبه) جواب قوله: وأما وأسقط الفاء من جوابها، وهو لا يسقط إلا في