قوله: (وعلى المرجوح) هو ما مر عن البدائع من عدم الجواز في أكثر من موضعين. قوله: (لمن سبق تحريمة) وقيل يعتبر بالسبق الفراغ، وقيل بهما، والأول أصح. بحر عن القنية: أي أصح عند صاحب القول المرجوح. قال في الحلية: وكنت قد راجعت شيخنا: يعني الكمال في هذا كتابة، فكتبت إلي: وأما السبق فلا شك عندي في اعتباره بالخروج، وهل يعتبر معه الدخول محل تردد في خاطري، لان سبق كذا بتقدم دخول (1) تمامه في الوجود أو بتقدم انقضائه، كل محتمل اه.
مطلب في نية آخر ظهر بعد صلاة الجمعة قوله: (فيصلي بعدها آخر ظهر) تفريعه على المرجوح يفيد أنه على الراجح من جواز التعدد لا يصليها بناء على ما قدمه عن البحر من أنه أفتى بذلك مرارا خوف اعتقاد عدم فرضية الجمعة.
وقال في البحر: إنه لا احتياط في فعلها لأنه العمل بأقوى الدليلين اه.
أقول: وفيه نظر، بل هو الاحتياط بمعنى الخروج عن العهدة بيقين، لأن جواز التعدد وإن كان أرجح وأقوى دليلا، لكن فيه شبهة قوية لان خلافه مروي عن أبي حنيفة أيضا، واختاره الطحاوي والتمرتاشي وصاحب المختار، وجعله العتابي الأظهر، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد كما ذكره المقدسي في رسالته نور الشمعة في ظهر الجمعة بل قال السبكي من الشافعية: إنه قول أكثر العلماء، ولا يحفظ عن صحابي ولا تابعي تجويز تعددها اه. وقد علمت قول البدائع: إنه ظاهر الرواية. وفي شرح المنية عن جوامع الفقه أنه أظهر الروايتين عن الامام. قال في النهر وفي الحاوي القدسي: وعليه الفتوى. وفي التكملة للرازي: وبه نأخذ اه.
فهو حينئذ قول معتمد في المذهب لا قول ضعيف، ولذا قال في شرح المنية: الأولى هو الاحتياط، لان الخلاف في جواز التعدد وعدمه قوي، وكون الصحيح الجواز للضرورة للفتوى لا يمنع شرعية الاحتياط للتقوى اه.
قلت: على أنه لو سلم ضعفه فالخروج عن خلافه أولى، فكيف مع خلاف هؤلاء الأئمة؟
وفي الحديث المتفق عليه فمن اتقى الشبهات استبرأ لدنيه وعرضه ولذا قال بعضهم فيمن يقضي صلاة عمره مع أنه لم يفته منها شئ: لا يكره لأنه أخذ بالاحتياط. وذكر في القنية أنه أحسن إن كان في صلاته خلاف المجتهدين، ويكفينا خلاف من مر. ونقل المقدسي عن المحيط: كل موضع وقع الشك في كونه مصرا ينبغي لهم أن يصلوا بعد الجمعة أربعا بنية الظهر احتياطا، حتى لو أنه لو لم تقع الجمعة موقعها يخرجون عن عهدة فرض الوقت بأداء الظهر، ومثله في الكافي. وفي القنية: لما ابتلى أهل مرو بإقامة الجمعتين فيها مع اختلاف العلماء في جوازهما أمر أئمتهم بالأربع بعدها حتما احتياطا اه. ونقله كثير من شراح الهداية وغيرها وتداولوه. وفي الظهيرية: وأكثر مشايخ بخارى عليه ليخرج عن العهدة بيقين.