بعضهم بأنهم فعلوا كذلك مراعاة لمذهب الحنفية وأن الحنفية لم يفهموا مذهبهم، ولا يخفى أن هذا العذر أقبح من الذنب، فإن فيه الافتراء على أئمة الدين لترويج الخطأ الصريح، فعند ذلك بادرت إلى كتابة رسالة سميتها: تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان جمعت فيها نصوص المذاهب الأربعة الدالة على أن الخطأ الصريح هو الذي ارتكبوه، وأن الحق الصحيح هو الذي اجتنبوه.
مطلب في اختلاف المطالع قوله: (واختلاف المطالع) جمع مطلع بكسر اللام موضع الطلوع، بحر، عن ضياء الحلوم.
قوله: (ورؤيته نهارا الخ) مرفوع عطفا على اختلاف، ومعنى عدم اعتبارها أنه لا يثبت بها حكم من وجوب صوم أو فطر، فلذا قال في الخانية: فلا يصام له ولا يفطر وأعاده وإن علم مما قبله ليفيد أن قوله لليلة الآتية لم يثبت بهذه الرؤية، بل ثبت ضرورة إكمال العدة كما قررناه، فافهم. قوله:
(على ظاهر المذهب) اعلم أن نفس اختلاف المطالع لا نزاع فيه، بمعنى أنه قد يكون بين البلدتين بعد بحيث يطلع الهلال ليلة كذا في إحدى البلدتين دون الأخرى، وكذا مطالع الشمس لان انفصال الهلال عن شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار، حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس، بل كلما تحركت الشمس درجة فتلك طلوع فجر لقوم وطلوع شمس لآخرين، وغروب لبعض ونصف ليل لغيرهم كما في الزيلعي. وقدر البعد الذي تختلف فيه المطالع مسيرة شهر فأكثر على ما في القهستاني عن الجواهر اعتبارا بقصة سليمان عليه السلام، فإنه قد انتقل كل غدو ورواح من إقليم إلى إقليم وبينما شهر اه. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، وفي شراح المنهاج للرملي: وقد نبه التاج التبريزي على أن اختلاف المطالع لا يمكن في أقل من أربعة وعشرين فرسخا، وأفتى به الوالد، والأوجه أنها تحديدية كما أفتى به أيضا اه. فليحفظ، وإنما الخلاف في اعتبار اختلاف المطالع بمعنى أنه هل يجب على كل قوم اعتبار مطلعهم، ولا يلزم أحدا العمل بمطلع غيره، أم لا يعتبر اختلافها بل يجب العمل بالأسبق رؤية حتى لو رئي في المشرق ليلة الجمعة، وفي المغرب ليلة السبت وجب على أهل المغرب العمل بما رآه أهل المشرق؟ فقيل بالأول، واعتمده الزيلعي وصاحب الفيض، وهو الصحيح عند الشافعية لان كل قوم مخاطبون بما عندهم، كما في أوقات الصلاة، وأيده في الدرر بما مر من عدم وجوب العشاء والوتر على فاقد وقتها، وظاهر الرواية الثاني، وهو المعتمد عندنا وعند المالكية والحنابلة لتعلق الخطاب عاما بمطلق الرؤية في حديث: صوموا لرؤيته بخلاف أوقات الصلوات، وتمام تقريره في رسالتنا المذكورة.
تنبيه: يفهم من كلامهم في كتاب الحج أن اختلاف المطالع فيه معتبر، فلا يلزمهم شئ لو ظهر أنه رئي في بلدة أخرى قبلهم بيوم، وهل يقال كذلك في حق الأضحية لغير الحجاج؟ لم أره، والظاهر نعم لان اختلاف المطالع إنما لم يعتبر في الصوم لتعلقه بمطلق الرؤية. وهذا بخلاف الأضحية فالظاهر أنها كأوقات الصلوات يلزم كل قوم العمل بما عندهم، فتجزئ الأضحية في اليوم