مطلب في قولهم: يقدم حق العبد على حق الشرع قوله: (لتقدم حق العبد) أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع، ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود وفيها حق العبد، يبدأ بحق العبد لما قلنا، ولأنه ما من شئ إلا ولله تعالى في حق، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد، كذا في شرح الجامع الصغير لقاضيخان. وأما قوله عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق فظاهر أنه أحق من جهة التعظيم، لا من جهة التقديم، ولذا قلنا: لا يستقرض ليحج إلا إذا قدر على الوفاء كما مر، وكذا جاز قطع الصلاة أو تأخيرها لخوفه على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله كخوف القابلة على الولد والخوف من تردي أعمى وخوف الراعي من الذئب وأمثال ذلك كإفطار الضيف. قوله: (إلى حين عوده) متعلق بقوله: فضلا أو بما لا بد منه لأنه بمعنى ما يحتاج أو بنفقة: أي فلا يشترط بقاء نفقة لما بعد عوده، وهذا ظاهر الرواية. قوله: (مع أمن الطريق) أي وقت خروج أهل بلده وإن كان مخيفا في غيره. بحر. وقدمنا عن اللباب أنه من شروط وجوب الأداء، وفي شرحه أنه الأصح، ورجحه في الفتح. وروي عن الامام أنه شرط وجوب، فعلى الأول تجب الوصية به إذا مات قبل أمن الطريق، أما بعده فتجب اتفاقا. بحر. قوله: (بغلبة السلامة) كذا اختاره الفقيه أبو الليث وعليه الاعتماد.
واختلف في سقوطه إذا لم يكن بد من ركوب البحر، فقيل: يسقط، وقال الكرماني: إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا، وهو الأصح. بحر قال في الفتح: والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف، حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم، لا يجب، وما أفتى به الرازي من سقوطه عن أهل بغداد وقول الإسكاف في سنة ست وثلاثين وستمائة: لا أقول إنه فرض في زماننا، وقول الثلجي: ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج، إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريف ثم زال ولله المنة. قوله: (على ما حققه الكمال) حيث قال: وقول الصفار: لا أرى الحج فرضا منذ عشرين سنة من حين خرجت القرامطة لأنه لا يتوصل إليه إلا بإرشائهم، فتكون الطاعة سبب المعصية، فيه نظر، لان هذا لم يكن من شأنهم، إنما شأنهم استحلال قتل الأنفس وأخذ الأموال، وكانوا يغلبون على أماكن يترصدون فيها للحجاج، وقد هجموا عليهم مرة في مكة فقتلوا خلقا في الحرم، وقد سئل الكرخي عمن لا يحج خوفا منهم، فقال: ما سلمت البادية من الآفات: أي لا تخلو عنها لقلة الماء وهيجان السموم، وهذا إيجاب منه رحمه الله تعالى، ومحمله أنه رأى أن الغالب اندفاع شرهم عن الحاج، وبتقديره فالاثم في مثله على الآخذ على ما عرف من تقسيم الرشوة في كتاب القضاء اه. ملخصا. واعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأن ما ذكر في القضاء ليس على إطلاقه، بل فيما إذا كان المعطي مضطرا بأن لزمه الاعطاء ضرورة عن نفسه أو ماله، أما إذا كان بالالتزام منه فبالإعطاء أيضا يأثم، وما نحن فيه من هذا القبيل اه. وأقره في النهر. وأجاب السيد أبو السعود بأنه مضطر لاسقاط الفرض عن نفسه.