مطلب في قول الخطيب: قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم تنبيه: جرت العادة إذا قرأ الخطيب الآية أنه يقول: قال الله تعالى بعد (1) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم * (من عمل صالحا) * (الجاثية: 51) الخ، وفيه إيهام أن أعوذ بالله من مقول الله تعالى، وبعضهم يتباعد عن ذلك فيقول: قال الله تعالى كلاما أتلوه بعد قولي أعوذ بالله الخ، ولكن في حصول سنة الاستعاذة بذلك نظر لان المطلوب إنشاء الاستعاذة، ولم تبق كذلك بل صارت محكية مقصودا بها لفظها، وذلك ينافي الانشاء كما لا يخفى فالأولى أن لا يقول: قال الله تعالى، ولشيخ مشايخنا العلامة إسماعيل الجراحي شارح البخاري في رسالة في هذه المسألة لا يحضرني الآن ما قاله فيها، فراجعها. قوله: (ويبدأ) أي قبل الخطبة الأولى بالتعوذ سرا، ثم بحمد الله تعالى والثناء عليه والشهادتين، والصلاة على النبي (ص)، والعظة والتذكير والقراءة. قال في التجنيس: والثانية كالأولى، إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ. قال في البحر: وظاهره أنه يسن قراءة آية فيها كالأولى اه.
تنبيه: ما يفعله بعض الخطباء من تحويل الوجه جهة اليمين وجهة اليسار عند الصلاة على النبي (ص) في الخطبة الثانية لم أر من ذكره، والظاهر أنه بدعة ينبغي تركه لئلا يتوهم أنه سنة. ثم رأيت في منهاج النووي قال: ولا يلتفت يمينا وشمالا في شئ منها. قال ابن حجر في شرحه: لان ذلك بدعة اه. ويؤخذ ذلك عندنا من قول البدائع: ومن السنة أن يستقبل الناس بوجهه ويستدبر القبلة، لان النبي (ص) كان يخطب هكذا اه. قوله: (والعمين) هما حمزة والعباس رضي الله تعالى عنهما.
لطيفة سمعت من بعض شيوخي أنه كان يقول: إن الخطباء يلحنون هنا مرتين حيث يقولون:
وارض عن عمى نبيك الحمزة والعباس، بإدخال أل على حمزة وإبقاء منع صرفه، مع أنه لم يسمع دخول أل عليه وإذا دخلت يصرف. قوله: (وجوزه القهستاني الخ) عبارته: ثم يدعو لسلطان الزمان بالعدل والاحسان متجنبا في مدحه عما قالوا إنه كفر وخسران كما في الترغيب وغيره اه. وأشار الشارح بقوله: وجوز إلى حمل قوله ثم يدعو الخ على الجواز لا الندب، لأنه حكم شرعي لا بد له من دليل. وقد قال في البحر: إنه لا يستحب، لما روي عن عطاء حين سئل عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا اه. ولا ينافي ذلك ما قدمه الشارح في باب الإمامة من وجوب الدعاء له بالصلاح، لان الكلام في نفي استحبابه في خصوص الخطبة، بل لا مانع من استحبابه فيها كما يدعى لعموم المسلمين فإن في صلاحه صلاح العالم. وما في البحر من أنه محدث لا ينافيه، فإن سلطان هذا الزمان أحوج إلى الدعاء له ولا مرائه بالسلام والنصر على الأعداء، وقد تكون البدعة واجبة أو مندوبة، على أنه ثبت (2) أن أبا موسى الأشعري وهو أمير الكوفة كان يدعو لعمر قبل الصديق، فأنكر عليه تقديم عمر، فشكا إليه فاستحضر المنكر فقال: إنما أنكرت تقديمك