مطلب: فيما لو صادر السلطان رجلا فنوى بذلك أداء الزكاة إليه قال في التجنيس والولوالجية: السلطان الجائر إذا أخذ الصدقات: قيل إن نوى بأدائها إليه الصدقة عليه لا يؤمر بالأداء ثانيا لأنه فقير حقيقة، ومنهم من قال: الأحوط أن يفتي بالأداء ثانيا كما لو لم ينو لانعدام الاختيار الصحيح، وإذا لم ينو: منهم من قال: يؤمر بالأداء ثانيا، وقال أبو جعفر: لا لكون السلطان له ولاية الاخذ فيسقط عن أرباب الصدقة، فإن لم يضعها موضعها لا يبطل أخذه، وبه يفتى، وهذا في صدقات الأموال الظاهرة. أما لو أخذ منه السلطان أموالا مصادرة ونوى أداء الزكاة إليه، فعلى قول المشايخ المتأخرين يجوز. والصحيح أنه لا يجوز، وبه يفتى، لأنه ليس للظالم ولاية أخذ الزكاة من الأموال الباطنة اه.
أقول: يعني وإذا لم يكن له ولاية أخذها لم يصح الدفع إليه وإن نوى الدافع به التصدق عليه لانعدام الاختيار الصحيح، بخلاف الأموال الظاهرة، لأنه لما كان له ولاية أخذ زكاتها لم يضر انعدام الاختيار، ولذا تجزيه سواء نوى التصدق عليه أو لا.
هذا، وفي مختارات النوازل: السلطان الجائر إذا أخذ الخراج يجوز. ولو أخذ الصدقات أو الجبايات أو أخذ مالا مصادرة: إن نوى الصدقة عند الدفع قيل يجوز أيضا، وبه يفتى، وكذا إذا دفع إلى كل جائر بنية الصدقة لأنهم بما عليهم من التبعات صاروا فقراء، والأحوط الإعادة اه. وهذا موافق لما صححه في المبسوط، وتبعه في الفتح، فقد اختلف التصحيح والافتاء في الأموال الباطنة إذا نوى التصدق بها على الجائر وعلمت ما هو الأحوط.
قلت: وشمل ذلك ما يأخذه المكاس، لأنه وإن كان في الأصل هو العاشر الذي ينصبه الامام، لكن اليوم لا ينصب لاخذ الصدقات بل لسلب أموال الناس ظلما بدون حماية، فلا تسقط الزكاة بأخذه كما صرح به في البزازية، فإذا نوى التصدق عليه كان على الخلاف المذكور. قوله:
(لأنهم بما عليهم الخ) علة لقوله قبله الأصح الصحة وقوله بما عليهم متعلق بقوله: فقراء.
قوله: (حتى أفتى) بالبناء للمجهول، والمفتي بذلك محمد بن سلمة، وأمير بلخ هو موسى بن عيسى بن ماهان والي خراسان، سأله عن كفارة يمينه فأفتاه بذلك، فجعل يبكي ويقول لحشمه: إنهم يقولون لي ما عليك من التبعات فوق مالك من المال فكفارتك كفارة يمين من لا يملك شيئا. قال في الفتح: وعلى هذا لو أوصى بثلث ماله للفقراء فدفع إلى السلطان الجائر سقط. ذكره قاضيخان في الجامع الصغير. وعلى هذا فإنكارهم على يحيى بن يحيى تلميذ مالك حيث أفتى بعض ملوك المغاربة في كفارة عليه بالصوم غير لازم، لجواز أن يكون للاعتبار المذكور لا لكون الصوم أشق عليه من الاعتاق، وكون ما أخذه خلطه بماله بحيث لا يمكن تمييزه فيملكه عند الامام غير مضر لاشتغال ذمته بمثله، والمديون بقدر ما في يده فقير اه ملخصا.
قلت: وإفتاء ابن سلمة مبني على ما صححه في التقرير من أن الدين لا يمنع (1) التكفير