مطلب في القادر بقدرة غيره قوله: (لان قدرة الغير لا تعتبر) أي عنده. وعندهما تعتبر كما في البحر. وفي الخانية والكافي: ولو كانت الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب إلا بمعين، أو كان شيخا كبيرا لو نزل لا يمكنه أن يركب ولا يجد من يعينه تجوز الصلاة على الدابة ا ه.
وظاهر المسألة الأولى أنها على قوله: وظاهر الثانية أنها على قولهما إلا أن يرجع قوله: ولا يجد من يعينه إلى المسألتين فيكون كل منهما عن قولهما. تأمل. وقدمنا قريبا عن المجتبى أن الأصح عنده لزوم النزول لو وجد أجنبيا يطيعه فهو حينئذ بالاتفاق، وهو مقتضى ما قدمناه أيضا في باب التيمم من أن العاجز عن استعمال الماء بنفسه لو وجد من تلزمه طاعته كعبده وولده وأجيره لزمه الوضوء اتفاقا، وكذا غيره ممن لو استعان به أعانه كزوجته في ظاهر المذهب، بخلاف العاجز عن استقبال القبلة أو التحول عن الفراش النجس فإنه لا يلزمه عنده.
والفرق أنه يخاف عليه زيادة المرض في إقامته وتحويله لا في الوضوء، إلى آخر ما ذكرناه هناك، فراجعه مع ما سنذكره في باب صلاة المريض. وعلى هذا فلا خلاف في لزوم النزول عن الدابة والصلاة على الأرض لمن وجد معينا يطيعه ولم يكن مريضا يلحقه بنزوله زيادة مرض. وأما ما في الخانية وغيرها من أنه لو حمل امرأته إلى القرية لها أن تصلي على الدابة، إذا كانت لا تقدر على الركوب والنزول ا ه. وهذا محمول على ما إذا لم ينزلها زوجها، بقرينة ما في المنية من أن المرأة إذا لم يكن معها محرم تجوز صلاتها على الدابة إذا لم تقدر على النزول ا ه. وهذا أولى مما في البحر من تفريع ما في الخانية على قوله، وما في المنية على قولهما، لكونه خلاف الظاهر ولمخالفته لما قدمناه، فاغتنم هذا التحرير. قوله: (حتى لو كان الخ) تفريع على العذر لا على مسألة القدرة بقدر الغير إلا بتكلف. تأمل.
ثم اعلم أن هذه المسألة وقعت لصاحب البحر في سفر الحج مع أمه، وذكر أنه لم ير حكمها وأنه ينبغي الجواز ولم أر من تعقبه، وكتبت فيما علقته عليه أنه قد يقال بخلافه، لان الرجل هنا قادر على النزول والعجز من المرأة قائم فيها لا فيه، إلا أن يقال: إن المرأة إذا لم تقدر على الركوب وحدها يلزم منه سقوط المحمل أو عقر الدابة أو موت المرأة، فهو عذر راجع إليه كخوفه على نفسه أو ماله.
تنبيه: بقي شئ لم أر من ذكره، وهو أن المسافر إذا عجز عن النزول عن الدابة لعذر من الاعذار المارة وكان على رجاء زوال العذر قبل خروج الوقت كالمسافر مع ركب الحاج الشريف، هل له أن يصلي العشاء مثلا على الدابة أو المحمل في أول الوقت إذا خاف من النزول، أم يؤخر إلى وقت نزول الحجاج في نصف الليل لأجل الصلاة؟ والذي يظهر لي الأول، لان المصلي إنما يكلف بالأركان والشروط عند إرادة الصلاة والشروع فيها، وليس لذلك وقت خاص، ولذا جاز له الصلاة بالتيمم أول الوقت وإن كان يرجو وجود الماء قبل خروجه، وعللوه بأنه قد أداها بحسب قدرته الموجودة عند انعقاد سببها وهو ما اتصل به الأداء ا ه. ومسألتنا كذلك، لكن رأيت في القنية برمز صاحب المحيط: راكب السفينة إذا لم يجد موضعا للسجود للزحمة، ولو أخر الصلاة ثقل الزحمة