كل مصر يكون فيه يوم الجمعة، لان إمامة غيره إنما تجوز بأمره فإمامته أولى وإن كان مسافرا اه.
أقول: مقتضاه أن الجواز في قول المصنف وجازت بمنى في معنى الوجوب، مع أن من شروط وجوبها أن من شروط وجوبها الإقامة، ولا يلزم من جواز إمامة الخليفة فيها وجوبها عليه إذا كان مسافرا، ولا أن يأمر مقيما بإقامتها، ولا يلزم أيضا من كون المصر من جملة ولايته أن يصير مقيما بوصوله إليه إلا على قول ضعيف كما قدمناه في الباب السابق - تأمل - ثم رأيت صاحب الحواشي السعدية اعترضه بقوله: دلالة ما ذكره على ما ادعاه من وجوب الجمعة على الخليفة إذا طا ف ولايته غير طاهرة اه.
وبه ظهر أن الجواز في كلام المصنف على معناه، ويدل عليه ما في فتح القدير من قوله: والخليفة وإن كان قصد السفر للحج فالسفر إنما يرخص في الترك لا أنه يمنع صحتها اه. فافهم. قوله:
(وعدم التعييد بمنى) أي عدم إقامة العيد بها لا لكونها ليست بمصر بل للتخفيف على الحاج لاشتغالهم بأمور الحج من الرمي والحلق والذبح في ذلك اليوم، بخلاف الجمعة لأنه لا يتفق في كل سنة هجوم الجمعة في أيام الرمي، أما العيد فإنه في كل سنة. سراج. وأيضا فإن الجمعة تبقى إلى آخر وقت الظهر، والغالب فراغ الحاج من أعمال الحج قبل ذلك، بخلاف وقت العيد، ومقتضى هذا أن الجمعة إذا أقيمت بمنى أن يجب على المقيمين من أهل مكة إذا خرجوا للحج خلافا لما بحثه في شرح المنية بل الظاهر وجوب إقامتها عليه. تأمل.
تنبيه: ظاهر التعليل وجوب العيد مكة، وقد ذكر البيري في كتاب الأضحية أنه هو ومن أدركه من المشايخ لم يصلوها فيها، قال: والله أعلم ما السبب في ذلك؟ اه.
قلت: لعل السبب أن من له ولاية إقامتها يكون حاجا في منى. قوله: (لا تجوز لأمير الموسم) هو المسمى أمير الحاج كما في مجمع الأنهر. أقول: كانت عادة سلاطين بني عثمان أيدهم الله تعالى أنهم يرسلون أمير يولونه أمور الحاج فقط غير أمير الشام، والآن جعلوا أمير الشام والحاج واحدا، فعلى هذا لا فرق بين أمير الموسم وأمير العراق لان كلا منهما له ولاية عامة، فإذا كان من عموم ولايته إقامة الجمعة في بلده بقيمها في منى أيضا، بخلاف من كان أميرا على الحاج فقط، ويوضح ما ذكرناه قول الشارح تبعا لغيره لقصور ولايته إلخ فافهم. قوله: (لأنها مفازة) أي برية لا أبنية فيها، بخلاف منى. قوله: (مطلقا) أي سواء كان المصر كبيرا أو لا، وسواء فصل بين جانبيه نهر كبير كبغداد أو لا، وسواء قطع الجسر أو بقي متصلا، وسواء كان التعدد في مسجدين أو أكثر، هكذا يفاد من الفتح، ومقتضاه أنه لا يلزم أن يكون التعدد بقدر الحاجة كما يدل عليه كلام السرخسي الآتي. قوله: (على المذهب) فقد ذكر الامام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر، وبه نأخذ لاطلاق لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط، وبما ذكرنا اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين لا في أكثر وعليه الاعتماد اه. فإن المذهب الجواز مطلقا. بحر. قوله: (دفعا للحرج) لان في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد، بل قضية الضرورة عدم اشتراط لا سيما إذا كان مصرا كبيرا كمصرنا كما قاله الكمال ط.