ثم نقل المقدسي عن الفتح أنه ينبغي أن يصلي أربعا ينوي بها آخر فرض أدركت وقته ولم أؤده إن تردد في كونه مصرا أو تعددت الجمعة، وذكر مثله عن المحقق ابن جرباش. قال: ثم قال:
وفائدته الخروج عن الخلاف المتوهم أو المحقق وإن كان الصحيح صحة التعداد فهي نفع بلا ضرر، ثم ذكر ما يوهم عدم فعلها ودفعه بأحسن وجه. وذكر في النهر أنه لا ينبغي التردد في ندبها على القول بجواز التعدد خروجا عن الخلاف اه. وفي شرح الباقاني: هو الصحيح.
وبالجملة فقد ثبت أنه ينبغي الاتيان بهذه الأربع بعد الجمعة، لكن بقي الكلام في تحقيق أنه واجب أو مندوب، قال المقدسي: ذكر ابن الشحنة عن جده التصريح بالندب، وبحث فيه بأنه ينبغي أن يكون عند مجرد التوهم، أما عند قيام الشك والاشتباه في صحة الجمعة فالظاهر الوجوب، ونقل عن شيخه ابن الهمام ما يفيده، وبه يعلم أنها هل تجزي عن السنة أم لا؟ فعند قيام الشك لا، وعند عدمه نعم، ويؤيد التفصيل تعبير التمرتاشي ب لا بد وكلام القنية المذكور اه. وتمام تحقيق المقام في رسالة المقدسي، وقد ذكر شذرة منها في إمداد الفتاح، وإنما أطلنا في ذلك لدفع ما يوهمه كلام الشارح تبعا للبحر من عدم فعلها مطلقا.
نعم إن أدى إلى مفسدة لا تفعل جهارا والكلام عند عدمها، ولذا قال المقدسي: نحن لا نأمر بذلك أمثال هذه العوام، بل ندل عليه الخواص ولو بالنسبة إليهم اه. والله تعالى أعلم. قوله: (لان وجوبه عليه بآخر الوقت) قال في الحلية: في هذا التعليل نظر، فإن المذهب أن الظهر يجب بزوال الشمس وجوبا موسعا إلى وقت العصر، غير أن السبب هو الجزء الذي يتصل به الأداء، فإن لم يؤد إلى آخر الوقت تعين الجزء الأخير للسببية اه.
أقول: يمكن أن يجاب بأن قوله: والأحوط نية آخر ظهر أدركت وقته، هو أحوط بالنسبة إلى ما إذا نوى آخر ظهر وجب علي أداؤه أو ثبت في ذمتي فإنه ذلك لا يفيده لو ظهر عدم صحة الجمعة لان وجوب أدائه أو ثبوته في ذمته لا يكون إلا في آخر الوقت أو بعده نعم لو قال وجب علي يفيده، لان الوجوب بدخول الوقت، بخلاف وجوب الأداء على ما حققه في التوضيح من الفرق بين الوجوب ووجوب الأداء، لكن الأولى أن يزيد: ولم أصله أو ولم أؤده كما مر عن الفتح، لأنه إذا كان عليه ظهر فائت وكانت هذه الجمعة صحيحة في نفس الامر ينصرف ما نوى إلى ما عليه، وبدون هذه الزيادة لا ينصرف إليه بل يقع نفلا، لان آخر ظهر أدركه هو ظهر يوم الجمعة لما مر من أن الوقت عندنا الظهر أصالة في يوم الجمعة خلافا لزفر، وكذا إذا قلنا: إن ظهر الجمعة سقط عنه بصلاة الجمعة لأنه يصير آخر ظهر أدركه ظهر يوم الخميس فلا ينصرف إلى ظهر فائت عليه قبله إلا إذا زاد قوله: ولم أصله ولعل الشارح أشار إلى هذا بقوله فتنبه فافهم.
تتمة: قال في شرح المنية الصغير: والأولى أن يصلي بعد الجمعة سنتها ثم الأربع بهذه النية:
أي نية آخر ظهر أدركته ولم أصله، ثم ركعتين سنة الوقت، فإن صحت الجمعة يكون قد أدى سنتها على وجهها، وإلا فقد صلى الظهر مع سنته، وينبغي أن يقرأ السورة مع الفاتحة في هذه الأربع إن لم يكن عليه قضاء، فإن وقعت فرضا فالسورة لا تضر، وإن وقعت نفلا فقراءة السورة واجبة اه:
أي وأما إذا كان عليه قضاء فلا يضم السورة، لأن هذه الأربع فرض على كل حال.