لأنه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالايجاب فلا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي إذ لا حق له قبل الموت، فأشبه إسقاط الشفعة قبل البيع فلمن قبل في الحياة الرد بعد الموت وبالعكس. ويصح الرد بين الموت والقبول لا بعدهما وبعد القبض، وأما بعد القبول وقبل القبض فالأوجه عدم الصحة كما صححه النووي في الروضة كأصلها وإن صحح في تصحيحه الصحة، فإن مات الموصى له قبل الموصي بطلت الوصية لأنها قبل الموت غير لازمة فبطلت بالموت، وإن مات بعد الموصي وقبل القبول والرد خلفه وارثه فيهما، فإن كان الوارث بيت المال فالقابل والرد هو الإمام وملك الموصى له المعين للموصى به الذي ليس بإعتاق بعد موت الموصي وقبل القبول موقوف إن قبل بان أنه ملكه بالموت، وإن رد بان أنه للوارث ويتبعه في الوقف الفوائد الحاصلة من الموصى به كثمرة وكسب والمؤنة ولو فطرة، ويطالب الوارث الموصى له أو الرقيق الموصى به أو القائم مقامهما من ولي ووصي بالمؤن إن توقف في قبول ورد كما لو امتنع مطلق إحدى زوجتيه من التعيين، فإن لم يقبل أو لم يرد خيره الحاكم بين القبول والرد، فإن لم يفعل حكم بالبطلان كالمتحجر إذا امتنع من الاحياء.
أما لو أوصى بإعتاق رقيق فالملك فيه للوارث إلى إعتاقه فالمؤنة عليه. وللموصي رجوع في وصيته وعن بعضها بنحو نقضتها كأبطلتها وبنحو قوله: هذا لوارثي مشيرا إلى الموصى به، وبنحو بيع ورهن وكتابة لما وصى به ولو بلا قبول وبوصية بذلك وتوكيل به وعرض عليه وخلطه برا معينا وصى به وخلطه صبرة وصى بصاع منها بأجود منها وطحنه برا وصى به وبذر له وعجنه دقيقا وصى به، وغزله قطنا وصى به ونسجه غزلا وصى به وقطعه ثوبا وصى به قميصا وبنائه وغراسه بأرض وصى بها. القول في الايصاء وشروط الوصي ثم شرع في الايصاء وهو إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت بقوله: (وتصح الوصية) بمعنى الايصاء في التصرفات المالية المباحة يقال: أوصيت لفلان بكذا وأوصيت إليه، ووصيته إذا جعلته وصيا.
وقد أوصى ابن مسعود رضي الله عنه فكتب وصيتي إلى الله تعالى وإلى الزبير وابنه عبد الله.
وأركان الايصاء أربعة: موص ووصي وموصي فيه وصيغة. وشرط في الموصي بقضاء حق كدين وتنفيذ وصية ورد وديعة وعارية ما مر في الموصى بمال وقد مر بيانه. وشرط في الموصي بنحو أمر طفل كمجنون ومحجور بسفه مع ما مر ولاية عليه ابتداء من الشرع بتفويض، فلا يصح الايصاء ممن فقد شيئا من ذلك كصبي ومجنون ومكره ومن به رق وأم وعم ووصي لم يؤذن له فيه، ويصح الايصاء (إلى من اجتمعت فيه خمس شرائط) عند الموت وترك سادسا وسابعا كما ستعرفه الأول (الاسلام) في مسلم. (و) الثاني: (البلوغ و) الثالث: (العقل و) الرابع: (الحرية و) الخامس: (الأمانة) وعبر بعضهم عنها بالعدالة ولو ظاهرة وكلاهما صحيح. السادس الاهتداء إلى التصرف كما هو الصحيح في الروضة.
والسابع عدم عداوة منه للمولى عليه، وعدم جهالة، فلا يصح الايصاء إلى من فقد شيئا من ذلك كصبي ومجنون وفاسق ومجهول ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لسفه أو هرم أو لغيره لعدم الأهلية في بعضهم وللتهمة في الباقي. ويصح الايصاء إلى كافر معصوم عدل في دينه على كافر. واعتبرت الشروط عند الموت لا عند الايصاء ولا بينهما لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضهما كصبي ورقيق ثم استكملها عند الموت صح. ولا يضر عمى لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه. ولا أنوثة لما في سنن أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى