عن الأصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه اثنان فقط فسمع تعاقدهما بالبيع وغيره كفى من غير رؤية، زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل. ولا تقبل شهادة (الأعمى) فيما يتعلق بالبصر لجواز اشتباه الأصوات وقد يحاكي الانسان صوت غيره. (إلا في ستة) وفي بعض النسخ خمسة (مواضع) وسيأتي توجيه ذلك الموضع الأول (الموت)، فإنه يثبت بالتسامع لأن أسبابه كثيرة منها ما يخفى ومنها ما يظهر وقد يعسر الاطلاع عليها فجاز أن يعتمد على الاستفاضة.
(و) الموضع الثاني (النسب) لذكر أو أنثى وإن لم يعرف عين المنسوب إليه من أب أو جد فيشهد أن هذا ابن فلان أو أن هذه بنت فلان، أو قبيلة فيشهد أنه من قبيلة كذا، لأنه لا مدخل للرؤية فيه فإن غاية الممكن أن يشاهد الولادة على الفراش وذلك لا يفيد القطع بل الظاهر فقط. والحاجة داعية إلى إثبات الانسان إلى الأجداد المتوفين والقبائل القديمة فسومح فيه قال ابن المنذر: وهذا مما لا أعلم فيه خلافا وكذا يثبت النسب بالاستفاضة إلى الام في الأصح. كالأب وإن كان النسب في الحقيقة إلى الأب. (و) الموضع الثالث (الملك المطلق) من غير إضافة لمالك معين إذا لم يكن منازع.
تنبيه: هذه الثلاثة من الأمور التي تثبت بالاستفاضة وبقي من الأمور التي تثبت بالاستفاضة العتق والولاء والوقف والنكاح كما هو الأصح عند المحققين لأنها أمور مؤبدة فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست الحاجة إلى إثباتها بالاستفاضة ولا يشك أحد أن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها زوج النبي (ص) وأن فاطمة رضي الله تعالى عنها بنت النبي (ص) ولا مستند غير السماع. وما ذكر في الوقف هو بالنظر إلى أصله. وأما شروطه فقال النووي في فتاويه:
لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل إن كان وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها انتهى. والأوجه حمل هذا على ما أفتى به ابن الصلاح شيخه من أن الشروط إن شهد بها منفردة لم يثبت بها وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت لأنه يرجع حاصله إلى بيان كيفية الوقف ومما يثبت بالاستفاضة القضاء والجرح والتعديل والرشد والإرث واستحقاق الزكاة والرضاع وحيث يثبت النكاح بالاستفاضة لا يثبت الصداق بها بل يرجع لمهر المثل ولا يكفي الشاهد بالاستفاضة أن يقول: سمعت الناس يقولون: كذا وإن كانت شهادته مبنية عليها بل يقول: أشهد أنه له أو أنه ابنه مثلا لأنه قد يعلم خلاف ما سمع من الناس ولو صرح بذلك لم تقبل شهادته على الأصح،