ذكرنا في تعليم أحكام الطهارة والصلاة والامر بها والضرب عليها أن الأمهات كالآباء، والمعلم يؤدب الصبي بإذن الولي ونيابة عنه، والزوج يعزر زوجته في النشوز وما يتعلق به، ولا يعزرها فيما يتعلق بحق الله تعالى، والسيد يعزر في حق نفسه وكذا في حق الله تعالى على الأصح، وإذا أفضى تعزير إلى هلاك، وجب الضمان على عاقلة المعزر، ويكون قتله شبه عمد، فإن كان الاسراف في الضرب ظاهرا وضربه بما يقصد به القتل غالبا، فهو عمد محض، وحكى الامام عن المحققين تفريعا على هذه القاعدة أن المعزر إذا علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح، لم يكن له الضرب المبرح ولا غيره، أما المبرح، فلأنه مهلك، وليس له الاهلاك، وأما غيره، فلا فائدة فيه.
فصل الجناية المتعلقة بحق الله تعالى خاصة، يجتهد الامام في تعزيرها بما يراه من ضرب أو حبس، أو اقتصار على التوبيخ بالكلام، وإن رأى المصلحة في العفو، فله ذلك، وإن تعلقت الجناية بحق آدمي فهل يجب التعزير إذا طلب؟
وجهان، أحدهما: يجب، وهو مقتضى كلام صاحب المهذب كالقصاص، والثاني: لا يجب، كالتعزير لحق الله تعالى، وهذا هو الذي أطلقه الشيخ أبو حامد وغيره، ومقتضى كلام البغوي ترجيحه، وقال الامام: قدر التعزير وما به التعزير إلى رأي الامام، ولا تكاد تظهر جنايته عند الامام إلا ويوبخه، ويغلظ له القول، فيؤول الخلاف إلى أنه هل يجوز الاقتصار على التوبيخ؟ ولو عفد مستحق العقوبة عن القصاص أو الحد أو التعزير، فهل للامام التعزير؟ فيه أوجه، أحدها: لا، لأنه أسقطها، والثاني: نعم، لأن فيه حقا لله تعالى ويحتاج إلى زجره وزجر غيره عن مثل ذلك، وأصحها: إن عفا عن الحد، فلا تعزير، وإن عفا عن بعزير، عزر، لأن الحد مقدر لا نظر للامام فيه، فإذا سقط، لم يعدل إلى غيره، والتعزير يتعلق أصله بنظره، فلم يؤثر فيه إسقاط غيره وبالله التوفيق.