ينتقل المنادي إلى سائر الجهات، وإذا عرف تفاوت مسافتي الابصار، فالواجب القسط، فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع، وبالعليلة من مائة ذراع، فموجبه التنصيف، لكن لو قال أهل الخبرة: إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المائة الأولى لقرب الأولى وبعد الثانية، وجب ثلثا دية العليلة، قال الشافعي رحمه الله: وما أرى ذلك يضبط.
فرع الأعشى الذي يبصر بالنهار دون الليل فيه كمال الدية، وفي التهذيب أنه لو جني عليه، فصار أعشى، لزمه نصف الدية، ولو عشيت إحدى عينيه بالجناية، لزمه ربع الدية، ومقتضى هذا إيجاب نصف الدية إذا جنى على الأعشى، فأذهب بصره، وكذا من يبصر بالليل دون النهار.
فرع شخصت عينه بجناية، أو صار أعمش أو أحول، وجبت حكومة.
فرع ذهب ضوء عينه بجناية، وقلع آخر الحدقة، فقال: قلعت قبل عود الضوء، وقال الأول: بل بعده، صدق الثاني، فلو صدق المجني عليه الأول، برئ الأول، ويحلف الثاني وعليه حكومة.
الرابع: الشم، وفي إزالته بالجناية على الرأس وغيره كمال الدية على الصحيح المشهور، وحكي وجه وقول أن واجبه الحكومة، وهو ضعيف، فلو أذهب شم أحد المنخرين، فنصف الدية، ولو سد المنفذ فلم يدرك الروائح، وقال أهل الخبرة: القوة باقية: فليكن كما سبق في السمع، وإذا أنكر الجاني ذهاب الشم، امتحن المجني عليه بتقريب ماله رائحة حادة منه، طيبة وخبيثة، فإن هش للطيبة وعبس للمنتن، صدق الجاني بيمينه، وإن لم يظهر عليه أثر، صدق المجني عليه بيمينه، وإن نقص الشم، نظر، إن علم قدر الذاهب، وجب قسطه من الدية، وإن لم يعلم، وجبت حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد، ولم يذكروا هنا الامتحان بمن هو في مثل شمه، ولا يبعد طرده هنا، وإن نقص شم أحد المنخرين، فيمكن أن يعتبر بالجانب الآخر، ولم يذكروه، ولعلهم اكتفوا بالمذكور في السمع