ملكوها، فاشترط استرضاؤهم، فإن كان الكافر كتابيا، وطلب عقد الذمة بالجزية، فهل يجيبه ونعصمه؟ تقدم على هذا حكم الأسير إذا كان كتابيا، وطلب عقد الذمة بعد الأسر، وفي تحريم قتله حينئذ قولان، أظهرهما: التحريم، لأن بذل الجزية يقتضي حقن الدم، كما لو بذلها قبل الأسر، فعلى هذا في استرقاقه وجهان، أحدهما: يحرم أيضا، ويجب تقريره بالجزية كما قبل الأسر، وأصحهما:
لا يحرم، لأن الاسلام أعظم من قبول الجزية، والاسلام بعد الأسر لا يمنع الاسترقاق، وماله مغنوم سواء قلنا: يحرم، أم لا. إذا عرفت هذا فبدل الداخل الذي أطلقنا عليه الجزية وجب قبولها على المذهب، وقيل: وجهان، كالأسير.
فرع اطلعنا على كافر في دارنا، فقال: دخلت لسماع كلام الله تعالى، أو لرسالة، صدق ولا يتعرض له، سواء كان معه كتاب أم لا، وفيما إذا لم يكن معه احتمال للامام، ثم نقل ابن كج عن النص أنه مدعي الرسالة إن اتهم، حلف، وفي البحر أنه لا يلزم تحليفه، ويمكن الجمع بين الكلامين، ولو قال: دخلت بأمان مسلم، فهل يطالب ببينة لامكانها غالبا أم يصدق بلا بينة كدعوى الرسالة، لأن الظاهر أنه لا يدخل بغير أمان؟ فيه وجهان، أصحهما: الثاني، قال الروياني: وما اشتهر أن الرسول آمن هو في رسالة فيها مصلحة للمسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان رسولا في وعيد وتهديد، فلا أمان له، ويتخير الامام فيه بين الخصال الأربع كأسير.
قلت: ليس ما ادعاه الروياني بمقبول، والصواب أنه لا فرق، وهو آمن مطلقا. والله أعلم.
الركن الثاني: العاقد، ولا يصح عقد الذمة إلا من الامام، أو من فوضه إليه، وفي كتاب ابن كج وجه: أنه يصح عقدها من آحاد الرعية، كالأمان، وهذا شاذ متروك، لكن لو عقدها أحد الرعية، لم يغتل المعقود له، بل يلحقه بمأمنه، فإن أقام سنة فأكثر، فهل يلزمه لكل سنة دينار؟ وجهان، أحدهما: نعم، كما لو فسد عقد الامام، وأصحهما: لا، لأنه لغو.
الركن الثالث: المعقود، له خمسة شروط.