أحدها: أن يغلب السبب المباشرة، بأن أخرجها عن كونها عدوانا مع توليده لها، مثل أن شهدوا عليه بما يوجب الحد، فقتله القاضي، أو جلاده، أو بما يوجب القصاص، فقتله الولي أو وكيله، فالقصاص على الشهود، دون القاضي والولي ونائبهما.
الضرب الثاني: أن يصير السبب مغلوبا، بأن رماه من شاهق، فتلقاه رجل بسيف، فقده نصفين، أو ضرب رقبته قبل وصوله الأرض، فالقصاص على القاد، ولا شئ على الملقي، سواء عرف الحال أم لا، وفي وجه: يجب عليه الضمان بالمال، لا بالقصاص، والصحيح: الأول. ولو ألقاه في ماء مغرق، كلجة بحر، فالتقمه حوت، فعلى الملقي القصاص على الصحيح المنصوص، وخرج الربيع قولا: إنه لا قصاص، لكن تجب دية مغلظة، وقيل: إن التقمه الحوت قبل الوصول إلى الماء، فلا قصاص، كمسألة القاد، وإلا فيجب، والصحيح أنه لا فرق، وفي كلام الشيخ أبي حامد وغيره من العراقيين، ما يشعر بأن القولين في الالتقام قبل وصوله الماء، والقطع بوجوب القصاص إذا كان بعده، وفرق الامام بين مسألة القد والالتقام، بأن القد قتل صدر من فاعل مختار بفعل وروية، فيقطع أثر السبب الأول، والحوت يلتقم بطبعه كالسبع الضاري، فلم يقطع أثر السبب الأول، ولذلك قلنا: لو أمسكه، فقتله آخر، فالقصاص على القاتل دون الممسك، ولو أمسكه وهدفه لوثبة سبع ضار، فافترسه، فالقصاص على الممسك، لأن الحيوان الضاري يفعل بطبعه عند التمكن، وكأنه آلة لصاحب السبب الأول نازل منزلة ما لو ألقاه في بئر وكان في سفلها نصل منصوب فمات به، فالقصاص على الملقي، بخلاف ما إذا كان الطارئ فعل صاحب رأي، فإنه يبعد تنزيله منزلة الآلة، وبني على هذا أنه لو كان في سفل البئر حية عادية بطبعها، أو نمر ضار، فقتله، وجب القصاص على المردي، ولو كان هناك مجنون ضار على طبع السباع، فكذلك، وإن لم يكن ضاريا، كان كالعاقل في إسقاط الضمان عن المردي، فلم يجعل الهلاك الحاصل بالسبع الضاري كالتلقي بالسيف، وأطلق البغوي نفي الضمان إذا