الطرف الثاني: فيما يغلب إذا اجتمعت العلة والسبب أو الشرط، فحفر البئر شرط أو سبب، والتردي علة، فإذا اجتمعا، نظر، إن كانت العلة عدوانا، بأن حفر بئرا، فردي فيها غيره إنسانا، فالقصاص والضمان يتعلقان بالتردية، ولا اعتبار بالحفر معها، وإن لم تكن العلة عدوانا، بأن تخطى شخص الموضع جاهلا، فتردى فيها وهلك، فإن كان الحفر عدوانا، تعلق الضمان به، وإلا فلا ضمان.
فرع وضع صبيا في مسبعة، فافترسه سبع، نظر، إن كان يقدر على الحركة والانتقال عن موضع الهلاك فلم يفعل، فلا ضمان على الواضع، كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات، وإن كان لا يقدر على الانتقال، فلا ضمان أيضا على الأصح، وبه قطع الأكثرون، لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجئ السبع إليه، فإن كان الموضوع بالغا، فلا ضمان قطعا، ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف، لا بالصغر والكبر.
فرع لو اتبع إنسانا بسيف، فولى المطلوب هاربا، فألقى نفسه في نار أو ماء، أو من شاهق، أو من سطح عال أو في بئر، فهلك، فلا ضمان، لأنه باشر إهلاك نفسه قصدا، والمباشرة مقدمة على السبب، فلو لم يعلم بالمهلك، فوقع من غير قصد في النار أو الماء، أو من الشاهق والسطح بأن كان أعمى، أو في ظلمة الليل، أو في موضع مظلم، أو في بئر مغطاة، وجب على المتبع الضمان، ولو استقبله سبع في طريقه، فافترسه، أو لص فقتله، فلا ضمان على المتبع، بصيرا كان المطلوب أو أعمى، لأنه لم يوجد من المتبع إهلاك، ومباشرة السبع العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك، لكن لو ألجأه إليه في مضيق، وجب الضمان على المتبع، ولو انخسف به سقف في هربه، وجب الضمان على الأصح المنصوص، وهو الذي أورده العراقيون، ولو ألقى نفسه على السقف من علو، فانخسف به لثقله، فهو كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار وما ذكرناه من سقوط الضمان عن التبع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء، أو نار أو من سطح قصدا، أردنا به العاقل البالغ، أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا، فيبنى على أن عمدهما