عن الأوطان والبلدان، ففي نزوله منزلة دخول البلدة وجهان أطلقهما الغزالي، والذي نقله الامام عن الأصحاب أنه ينزل منزلته، لأنه من دار الاسلام، واختار هو المنع، لأن الدار تشرف بسكن المسلمين، فإذا لم يكن مسكنا لاحد، فتكليف المسلمين التهاوي على المتالف بعيد.
قلت: هذا الذي اختاره الامام ليس بشئ، وكيف يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الاسلام مع إمكان الدفع. والله أعلم.
فرع لو أسروا مسلما، أو مسلمين، فهل هو كدخول دار الاسلام؟
وجهان، أحدهما: لا، لأن إزعاج الجنود لواحد بعيد، وأصحهما: نعم، لان حرمته أعظم من حرمة الدار، فعلى هذا لا بد من رعاية النظر، فإن كانوا على قرب دار الاسلام، وتوقعنا استخلاص من أسروه لو طرنا إليهم، فعلنا، وإن توغلوا في بلاد الكفر ولا يمكن التسارع إليهم، وقد لا يتأتى خرقها بالجنود، اضطررنا إلى الانتظار، كما لو دخل منهم ملك عظيم الشوكة طرف بلاد الاسلام، لا يتسارع إليه آحاد الطوائف.
الطرف الثالث في بيان فروض الكفاية:
هي كثيرة مفرقة في أبوابها، كغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وكذا صلاة الجماعة والاذان والعيد إذا قلنا: إنهن فرض كفاية، وكذا التقاط المنبوذ وغير ذلك، وفروض الكفاية أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية لا ينتظم الامر إلا بحصولها، فيطلب الشارع تحصيلها، ولا يطلب تكليف واحد فواحد بها، بخلاف فرض العين، فإن كل واحد مكلف بتحصيله، وفروض الكفاية أقسام، منها ما يتعلق بأصل الدين، وهو إقامة الحجة العلمية، ومعناها أنه كما تجب إقامة الحجة القهرية بالسيف، يجب أن يكون في المسلمين من يقيم البراهين، ويظهر الحجج، ويدفع الشبهات، ويحل المشكلات، ومنها ما يتعلق بالفروع، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمراد منه: الامر بواجبات الشرع، والنهي عن محرماته، فهو فرض كفاية، فإن نصب لذلك رجل، تعين عليه بحكم الولاية، وهو المحتسب، ولقد أحسن أقضى القضاة الماوردي ترتيب الامر بالمعروف وتقسيمه، فجعله ثلاثة أضرب: