وذلك إنما يتحقق غالبا في المواضع البعيدة عن العمارة، ولو خرج جماعة في المصر، فحاربوا، أو أغار عسكر على بلدة أو قرية، أو خرج أهل أحد طرفي الجلد على الطرف الآخر وكان لا يلحق المقصودين غوث لو استغاثوا، فهم قطاع طريق، وإن كان يلحقهم غوث، فهم منتهبون ليسوا قطاعا، وامتناع لحاق الغوث لضعف السلطان أو لبعده وبعد أعوانه، وقد يغلب أهل الفساد في مثل هذه الحالة، فلا يقاومهم أهل العفة، وتتعذر عليهم الاستغاثة، ولو دخل جماعة بالليل دارا وكابروا، ومنعوا أصحاب الدار من الاستغاثة مع قوة السلطان وحضوره، فالأصح أنهم قطاع، وبه قطع القفال والبغوي، والثاني: أنهم سراق، والثالث: مختلسون.
فرع لا يشترط في قطاع الطريق الذكورة، بل لو اجتمع نسوة لهن شوكة وقوة، فهن قاطعات طريق، ولا يشترط أيضا شهر السلاح، بل الخارجون بالعصي والحجارة قطاع، وذكر الامام أنه يكفي القهر وأخذ المال باللكز، والضرب بجمع الكف، وفي التهذيب نحوه، وكلام جماعة يقتضي أنه لا بد من آلة، ولا يشترط العدد، بل الواحد إذا كان له فضل قوة يغلب بها الجماعة، وتعرض للنفوس والأموال مجاهرا، فهو قاطع طريق.
الطرف الثاني في عقوبتهم:
فإذا علم الإمام من رجل، أو من جماعة أنهم يترصدون للرفقة، ويخيفون السبيل، ولم يأخذوا بعد مالا، ولا قتلوا نفسا، طلبهم، وعزرهم بالحبس وغيره، قال ابن سريج: والحبس في هذه الحال في غير موضعهم أولى، لأنه أحوط وأبلغ في الزجر والايحاش، وإن أخذ قاطع من المال قدر نصاب السرقة، قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، فإن عاد مرة أخرى، قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، وإنما يقطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة، وسواء كان النصاب لواحد أو لجماعة الرفقة كما سبق في السرقة، وإن كان المأخوذ دون نصاب، فلا قطع، وقال ابن خيران: فيه قولان، كالقولين في قتل قاطع الطريق، هل تعتبر فيه الكفاءة، لأنه فارق السرقة في اشتراط الحرز فكذا في النصاب، والمذهب الأول، لقوله صلى الله عليه وسلم:
القطع في ربع دينار فصاعدا وما ادعاه في الحرز ممنوع، بل الذي قاله الأصحاب: أنه لو كان المال ضائعا تسير به الدواب بلا حافظ، فلا قطع، ولو كانت الجمال مقطورة ولم تتعهد كما شرطنا فيها، لم يجب القطع، وإن قتل قاطع