وحيث قال: يجب، فذلك إذا قصرت المدة بحيث لا يظهر للسراية أثر، وإذا قلنا بطريقة القولين، ففي موضعهما طريقان، أحدهما: تخصيصهما بما إذا قصرت المدة، فإن طالت، لم يجب القصاص قطعا، والثاني: طردهما في الحالين قاله ابن سريج وابن سلمة وابن الوكيل، والأصح عند الجمهور: تخصيص القولين بقصر المدة، والأظهر منها عند الجمهور، أنه لا قصاص، وأما الدية، ففيها أقوال، أظهرها عند الجمهور: يجب كمال الدية، والثاني: نصفها، والثالث: ثلثاها، والرابع: أقل الأمرين من كل الدية وأرش الجراحة، وهذان الأخيران مخرجان، ثم قال الجمهور: تختص الأقوال بما إذا طالت مدة الاهدار، فإن قصرت، وجب كل الدية قطعا، وقيل بطردها في الحالين، قال الامام: وإذا أوجبنا القصاص، فآل الامر إلى المال، ففيه هذا الخلاف، وقال البغوي: إذا أوجبنا القصاص، فعفي، وجب كمال الدية بلا خلاف، وإنما الخلاف إذا لم نوجب قصاصا، وهذا أرجح.
فرع رمى إلى مسلم فارتد وعاد إلى الاسلام، ثم أصابه السهم، فلا قصاص على المذهب، وبه قطع الجمهور، قال الامام: ويجئ فيه قول.
الحال الرابع: أن يطرأ ما يغير قدر الدية، فيجب ما يقتضيه يوم الموت، لأن الضمان بدل التالف، فيعتبر وقت التلف، وقد يكون التغير من الأكثر إلى الأقل، وقد ينعكس، مثال الأول: جنى على نصراني، فتمجس ثم مات، فإن قلنا: يقر النصراني إذا تمجس على التمجس، فعلى الجاني دية مجوسي، وإن قلنا: لا يقر، فهو كما لو ارتد المجروح ومات، فعلى الأصح: يجب الأقل من أرش الجناية على نصراني ودية نفسه، وعلى قول الإصطخري: يجب الأرش بالغا ما بلغ، ولو جرح نصرانيا، فنقض المجروح العهد، والتحق بالحرب، ثم سبي واسترق، ومات بالسراية، فلا قصاص في النفس، ويجب قصاص الطرف إن كانت الجناية بقطع طرف، وإن أراد المستحق المال، ففيما يجب، قولان، أحدهما:
أقل الأمرين من أرش جنايته حرا، وكمال قيمته عبدا، وعلى هذا هو لورثته