إحداهما: أن تكون الجراحة مما يوجب القصاص، كالموضحة وقطع اليد، ففي وجوب القصاص في الموضحة والطرف، قولان، أظهرهما: الوجوب، فعلى هذا قال الشافعي رحمه الله في المختصر: لوليه المسلم أن يقتص، فقيل: أراد بالولي، السلطان، لأنه وارث للمرتد، وقال الجمهور: يستوفيه قريبه الذي كان يرثه لولا الردة، لأن القصاص للتشفي، وذلك يتعلق بالقريب دون السلطان، فعلى هذا لو كان القريب صغيرا أو مجنونا انتظر بلوغه وإفاقته ليستوفي. الصورة الثانية:
أن تكون الجراحة موجبة للمال دون القصاص، كالجائفة والهاشمة، أو من جنس ما يوجب القصاص، وقلنا: لا قصاص، أو عفي عنه، فهل يجب المال؟ وجهان، ويقال: قولان، أصحهما: الوجوب، فعلى هذا فيما يجب وجهان، أصحهما ويحكى عن النص: أنه يجب أقل الأمرين من الأرش الذي تقتضيه الجراحة ودية النفس، والثاني، وبه قال الإصطخري: يجب أرش الجراحات بالغا ما بلغ، فيجب فيما إذا قطع يديه ورجليه ديتان، وعلى كل حال فالواجب فئ لا يأخذ القريب منه شيئا، هذا إذا طرأت الردة بعد الجرح، فلو طرأت بعد الرمي وقبل الإصابة، فلا ضمان باتفاقهم.
فرع قطع يده، ثم ارتد المقطوع، واندمل جرحه، فله قصاص اليد، فإن مات قبل أن يقتص، اقتص وليه، ومن الولي؟ فيه الخلاف السابق، فإن كانت الجناية توجب المال، قال البغوي: إن قلنا: ملكه باق، أخذه، وإن قلنا:
زائل، وقف، فإن عاد إلى الاسلام، أخذه، وإلا، أخذه الامام.
الحال الثالث: أن يتخلل المهدر بين الجرح والموت، فإذا جرح مسلم مسلما، ثم ارتد المجروح، ثم أسلم ومات بالسراية، وجبت الكفارة قطعا، وأما القصاص، فنص أنه لا يجب، ونص فيما إذا جرح ذمي ذميا، أو مستأمنا فنقض العهد، والتحق بدار الحرب، ثم جدد العهد، ومات بالسراية، أن في وجوب القصاص قولين، وللأصحاب طريقان، أصحهما في المسألتين، قولان، أحدهما: وجوب القصاص، لأنه مضمون بالقصاص في حالتي الجرح والموت، والثاني: لا، لتخلل حالة الاهدار، والطريق الثاني: تنزيل النصين على حالين، فحيث قال: لا قصاص، أراد إذا طالت مدة الاهدار، بحيث يظهر أثر السراية،