وإن كثر عدد المشركين فغير جائز لهم أن يفروا منهم وإن كانوا أضعافهم لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتمعت كلمتهم، وقد أوجب عليهم بذلك جمع كلمتهم.
(قلت) والآية تدل على أن الفرار من الزحف من كبائر المعاصي وقد جاء التصريح بذلك في أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوردها المؤلف، وقد قيد بعض العلماء هذا بما إذا كان لا يزيدون على ضعف المؤمنين. قال الشافعي: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم ان يولوا إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا ولا يستوجبون السخط عندي من الله لو ولوا عنهم على غير التحرف للقتال أو التحيز إلى فئة. وقد روى عنه عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبى بصرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وزيد أبى حبيب والضحاك أن تحريم الفرار في هذه الآية خاص بيوم بدر، ولكن هذا خلاف قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويؤيده نزول الآية بعد انتهاء الغزو، وإن اعترض معترض بالآية (ان الذين تولوا منكم يوم التقى) (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين.. الخ) قلت هذا لا ينافي كون التولي حراما وكبيرة من الكبائر ولا يقتضى أن يكون كل قول لغير السببين المستثنيين في آية الأنفال يبوء صاحبه بغضب عظيم من الله ومأواه جهنم وبئس المصير، بل قد يكون دون ذلك، ويتقيد بآية رخصة الضعف وبالنهي عن إلقاء النفس في التهلكة من حيث عمومها.
وإذا تمسك المعترضون بالحديث الذي أورده المؤلف عن ابن عمر (كنت في سرية.. الخ) قلت فيه يزيد بن أبي زياد وهو مختلف فيه ضعفه الكثيرون وقال ابن حبان كان صدوقا الا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير فوقعت المناكير في حديثه، فمن سمع منه قبل التغيير صحيح، ومعروف ما قيل من أنه لا يعتد بتصحيح ابن حبان.
وجملة القول أن هذا الحديث لا وزن له في هذه المسألة لا متنا ولا سندا، وفى معناه أثر عن عمر هو دونه فلا يعتد به في المسألة