هربوا من قوله تعالى (ولا يجدون عنها محيصا) أي هربا ومفرا، وقوله تعالى (مالنا من محيص) أي مفر قوله (بل أنتم العكارون) هم الكرارون العطافون في القتال، يقال عكر يعكر عكرا إذا عطف والعكرة الكرة. قوله (وانقلاب إلى الاعراب) لعله ترك الجمعة والجماعة والجهاد.
قال الجصاص في كتاب إحكام الأحكام في الآية (الآن خفف الله عنكم) ايجاب فرض القتال على الواحد لرجلين من الكفار فإن زاد عدد الكفار على اثنين فجائز حينئذ للواحد التحيز إلى فئة من المسلمين فيها نصرة، فأما أن أراد الفرار ليلحق بقوم من المسلمين لا نصرة معهم فهو من أهل الوعيد المذكور في قوله تعالى (ومن يولهم يومئذ دبره) وقال عمر بن الخطاب لما بلغه أن أبا عبيد ابن مسعود استقتل يوم الجيش حتى قتل ولم ينهزم: رحم الله أبا عبيد لو انحاز إلى لكنت له فئة، فلما رجع إليه أصحاب أبي عبيد قال أنا فئة لكم ولم يعنفهم، وهذا الحكم عندنا ثابت ما لم يبلغ عدد جيش المسلمين اثنى عشر ألفا لا يجوز لهم أن ينهزموا عن مثلهم الا متحرفين لقتال، وهو أن يصيروا من موضع إلى غيره مكايدين لعدوهم من نحو خروج من مضيق إلى فسحة أو من سعة من المسلمين يقاتلونهم معهم، فإذا بلغوا اثنى عشر ألفا فإن محمد بن الحسن ذكر أن الجيش إذا بلغوا كذلك فليس لهم أن يفروا من عدوهم وان كثر عددهم، ولم يذكر خلافا بين أصحابنا فيه.
واحتج بحديث ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الأصحاب أربعة وخير السرايا أربع مائة وخبر الجيوش أربعة آلاف ولن يؤتى اثنى عشر ألفا من قلة ولن يغلب. وفى بعضها ما غلب قوم يبلغون اثنى عشر ألفا إذا اجتمعت كلمتهم.
وذكر الطحاوي أن مالكا سئل فقيل له أيسعنا التخلف عن قتال من خرج عن أحكام الله وحكم بغيرها؟ فقال له مالك إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك لم يسعك التخلف والا فأنت في سعة من التخلف، وكان السائل له عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وهذا المذهب موافق لما ذكر محمد بن الحسن