أهل الشام قاصدا لقتاله فالتقيا بصفين فدامت الحرب بينهم أشهرا وكاد معاوية وأهل الشام أن يكسروا، فرفعوا المصاحف على الرماح ونادوا: ندعوكم إلى كتاب الله، وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص وهو مع معاوية فنكر القتال جمع كثير ممن كان مع علي خصوصا القراء بسبب ذلك تدينا محتجين بقوله تعالى (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم) الآية فراسلوا أهل الشام في ذلك فقالوا: ابعثوا حكما منكم وحكما منا ويحضر معهما من لم يباشر القتال فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب علي ومن معه إلى ذلك وأنكرت ذلك الطائفة التي صارت خوارج وفارقوا عليا وهم ثمانية آلاف ونزلوا بمكان يسمى حروراء، ومن ثم سموا بالحرورية، وكانوا بقيادة كبيرهم عبد الله ابن الكواء اليشكري وشبث التميمي، فأرسل إليهم علي عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع كثير منهم، ثم خرج إليهم علي فأطاعوه ودخلوا معه الكوفة ومعهم رئيساهم المذكوران ثم أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة ولذلك رجعوا معه فبلغ ذلك عليا فخطب فيهم وأنكر ذلك فتنادوا من جانب المسجد لا حكم إلا لله فقال كلمة حق يراد بها باطل. ثم قال: لكم علينا ثلاث، ألا نمنعكم من المساجد ولا من رزقكم من الفئ، وألا نبدؤكم بقتال ما لم تحدثوا فسادا، وخرجوا شيئا بعد شئ إلى أن اجتمعوا بالمدائن فراسلهم علي في الرجوع فأصروا على الامتناع حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم ويتوب، ثم راسلهم أيضا فأرادوا قتل رسوله، ثم اجتمعوا أيضا على ألا يعتقد معتقدهم بكفر ويباح دمه وماله وأهله، واستعرضوا الناس فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين ومر بهم عبد الله ابن خباب بن الأرت واليا لعلي على بعض تلك البلاد ومعه سريته وهي حامل فقتلوه وبقروا بطن سريته عن ولد، فبلغ عليا فخرج إليها في الجيش الذي كان هيأه للخروج إلى الشام، فأوقع بهم في النهروان ولم ينج منهم الا دون العشرة، ولا قتل ممن معه الا نحو العشرة.
فهذا ملخص أمرهم ثم انضم إلى من بقي منهم ممن مال إلى رأيهم فكانوا مختفين في خلافة علي حتى كان منهم ابن ملجم الذي قتل عليا رضي الله عنه بعد أن دخل في صلاة الصبح، ثم لما وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة فأوقع بهم