الثانية عن أحمد: يجب ذلك في بيت المال، لان الخطأ يكثر منه في اجتهاده وأحكامه، فإيجابه على عاقلته فيه إجحاف بهم، وبهذا قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وإسحاق، لأنه نائب عن الله تعالى في أحكامه وأفعاله فكان أرش جنايته في مال الله سبحانه.
فإذا قلنا تجب دية ذلك على عاقلته وجبت كفارة قتله في الخطأ وعمد الخطأ في ماله. وإذا قلنا تجب دية ذلك في بيت المال ففي الكفارة وجهان (أحدهما) تجب في بيت المال لما ذكرناه في الدية (والثاني) تجب في ماله لان الكفارة لا تحملها العاقلة بحال.
(مسألة) فإذا قتل غيره عمدا أو جنى على طرفه عمدا وجبت الدية في مال الجاني، سواء كانت الجناية مما يجب فيها القصاص أو مما لا يجب فيها القصاص، وهذا قضية الأصل، وهو أن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يجنى جان الا على نفسه) وبهذا قال أحمد.
وقال مالك: إن كانت لا قصاص لها مثل الهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة، فإن العاقلة تحمله، وإن كانت الجناية عمدا.
دليلنا أن الخبر إنما ورد في حمل العاقلة دية الخطأ تخفيفا على القاتل لأنه لم يقصد القتل والعامد قصد القتل فلم يلحق به في التخفيف، ولأنه أرش جناية عمد محض فلم تحمله العاقلة، كما لو قتل الأب ابنه إذا ثبت هذا فإن أرش العمد يجب حالا، وبهذا قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة يجب مؤجلا في ثلاث سنين، لأنها دية آدمي فكانت مؤجلة كدية شبه العمد. دليلنا أن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كالقصاص وأرش أطراف العبيد ولا يشبه شبه العمد، لان القاتل معذور لكونه لم يقصد القتل، وإنما أفضى إليه من غير اختيار منه فأشبه الخطأ، ولهذا تحمله العاقلة، ولان القصد التخفيف على العاقلة الذين لم تصدر منهم جناية. وهذا موجود في الخطأ وشبه العمد على السواء. وأما العمد فإنه يحمله الجاني في غير حال العذر فوجب أن يكون ملحقا ببدل سائر المتلفات. قال العمراني في الخطأ وشبه العمد. وقال بعض الناس يجب حالا. وقال ربيعة: يجب مؤجلا في خمس سنين. اه