وقد أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم بلفظ (مضت السنة في أشياء من الانسان إلى أن قال: وفى الصوت إذا انقطع الدية) فإذا وجبت الدية في ذهاب الصوت فلان يجب في ذهاب العقل أولى.
فإذا ثبت أنه حكم عمر وقول زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل ولا مخالف لهم في الصحابة كان إجماعا، ولان التكليف يزول بزوال العقل كما يزول بخروج الروح، فلما وجبت الدية بخروج الروح وجبت بزوال العقل، فإن ذهب بعض عقله وعرف قدر الذاهب بأن صار يجن يوما ويفيق يوما وجبت فيه نصف الدية، وإن لم يعرف قدر الذاهب بأن صار يفزع مما يفزع منه العقلاء وجبت فيه الحكومة.
إذا ثبت هذا فإن كانت الجناية التي ذهب بها العقل مما لا أرش لها بأن لطمه أو لكمه أو ضربه بحجر أو غيره ولم يجرحه، وجبت دية العقل، على ما مضى، وإن كان لها أرش ففيه قولان. قال في القديم: يدخل الأقل منهما في الأكثر، مثل ان أوضحه فذهب عقله، فإن أرش الموضحة يدخل في دية العقل، وان قطع يديه من المرفقين دخلت دية العقل في دية اليدين والحكومة فيهما، وبه قال أبو حنيفة، لان العقل معنى يزول التكليف بزواله فدخل في دينه أرش الطرف كالروح. وقال في الجديد: لا يدخل أحدهما في الآخر وهو الأصح، لأنه جناية أذهبت منفعة حالة في غير محل الجناية مع بقاء النفس فلم يتداخل الأرش، كما لو أوضحه وذهب بصره. هكذا ذكره العمراني عن الشيخ أبى حامد.
وذكرا لشيخ أبو إسحاق هنا: إن كانت الجناية بها دية كاملة لم تدخل إحدى الديتين في الأخرى قولا واحدا، لما تقدم من حكم عمر رضي الله عنه.
قوله (ويجب في الشفتين الدية) هذا ثابت فيما سقناه في أول الباب من كتاب عمرو بن حزم وفيه (وفى الشفتين الدية) والى هذا ذهب جمهور أهل العلم قال في البحر: وحدهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه، ولا فضل لإحداهما على الأخرى عند أبي حنيفة والشافعي والناصر والهادوية.
وذهب زيد بن ثابت إلى أن العليا ديتها ثلث والسفلى ثلثان ويرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم (وفى الشفتين الدية) ولم يفرق، وقد أخذ الشوكاني من زيادة منفعة السفلى على