وقال أحمد بن حنبل: يحنث بأكل رأس كل حيوان من النعم والصيود والطيور والحيتان والجراد. ووجهه أن هذه الرؤوس حقيقة عرفية مأكولة فحنث بأكلها كما لو حلف لا يأكل لحما فأكل من لحم النعام والزرافة وما يندر وجوده وبيعه وعندنا أنها لو صارت حقيقة عرفية وكان الحالف في بلد تباع فيه رؤوس الصيود أو الأسماك منفردة حنث بأكلها.
وفي سريان الحنث على أكلها في بلد آخر وجهان (أحدهما) لا يحنث لان الحقيقة العرفية في إطلاق اسم الرؤوس وبيعها لا توجد إلا في البلد الذي تباع فيه الرؤوس ويعتاد أكلها (والثاني) يحنث لان ما ثبت به في بلد يقع به الحنث في كل مكان آخر كخبز الأرز الذي لا يصنع إلا في طبرستان، وقد مضى توضيحه (فرع) إذا حلف لا يأكل البيض وقلنا أن البيض نوعان. نوع يزايل بائضه في الحياة كبيض الدجاج والحمام والنعام، والآخر لا يزايل بائضه كبيض السمك والجراد، فإن الحنث لا يتعلق إلا بالنوع الأول، لأنه يؤكل منفردا ويباع منفردا، سواء كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل وجوده كبيض النعام، وبهذا قال أحمد، وقال أصحاب الرأي لا يحنث بأكل بيض النعام. وقال أبو ثور لا يحنث إلا بأكل بيض الدجاج وما يباع في السوق ولنا أن هذا كله بيض حقيقة وعرفا وهو مأكول فيحنث بأكله كبيض الدجاج، ولأنه لو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء البحر حنث أو ماء نجسا، أو لا يأكل خبزا فأكل خبز الأرز أو الذرة أو البتاو، وهو خبز أهل الصعيد، ويصنع من الذرة الصفراء أو القيظى مع قليل من الحلبة، وهو يختلف عن خبز المدن، فإذا حلف أن لا يأكل خبزا فأكل البتاو في مكان لم يعتد فيه أكله حنث لأنه خبز ولا فرق بينه وبين الفنيو وأما أكل بيض السمك أو الجراد فكما تقرر لا يحث إلا بأكل بيض يزايل بائضه في الحياة، وبهذا قال أبو ثور وأصحاب الرأي وأبو الخطاب من الحنابلة وأكثر العلماء، لان هذا لا يفهم من إطلاق اسم البيض، ولا يذكر إلا مضافا إلى بائضه، ولا يحنث بأكل شئ يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا بأكل شئ يسمى رأسا غير رؤوس الانعام إلا فيما فيه الأوجه المذكورة آنفا