أبو حنيفة ومالك يحنث. دليلنا أنه لا يسمى لحما وينفرد عنه باسمه وصفته، ولو أمر وكيله بشراء لحم، فاشترى شحما لم يكن ممتثلا لامره ولا ينفذ الشراء للموكل فلم يحنث بأكله كالبقل فإذا حلف لا يأكل شحما فأكل لحما لم يحنث قولا واحدا لأنهما جنسان مختلفان اسما وصفة. وبهذا قال أبو حنيفة. وقال أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن:
إذا حلف لا يأكل شحما فأكل لحما حنث لان اللحم لا يخلو من شحم، ولا يكاد اللحم يخلو من شئ منه وإن قل فيحنث به. وذهب بعض أصحاب أحمد إلى مخالفة الخرقي إلى أنه لا يحنث. قال ابن قدامة وهو الصحيح، لأنه لا يسمى شحما ولا يظهر فيه طعمه ولا لونه، والذي يظهر في المرق قد فارق اللحم فلا يحنث بأكل اللحم الذي كان فيه.
(فرع) إذا حلف على اللحم فأكل لحم الخد أو لحم الرأس أو اللسان فوجهان (أحدهما) يحنث لأنه لحم حقيقة - وبه قال أحمد في لحم الخد - وحكى عن أبي موسى من أصحاب أحمد أنه لا يحنث إلا أن ينويه باليمين. وقال أصحاب أحمد في اللسان وجهان كالوجهين عندنا وفي لحم الرأس والأكارع روى عن أحمد ما يدل على أنه لا يحنث، لان من حلف لا يشترى لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوى أن لا يشترى من الشاة شيئا، لان إطلاق اسم اللحم لا يتناول الرؤوس والأكارع، ولو وكله في شراء لحم فاشترى رأسا أو كارعا لم يلزمه والوجه الثاني لا يحنث لما ذكره المصنف، واختلف أصحابنا في الألية، فمنهم من جعلها من الشحم، فلو حلف على الشحم فأكلها حنث، لأنها تشبه الشحم في ذوبها وشكلها، فلو حلف لا يأكل لحما فأكلها لم يحنث، وممن قال هي شحم أبو يوسف ومحمد. ومن أصحابنا من قال هو لحم لأنها نابتة في اللحم و تشبهه في الصلابة. قال ابن قدامة وليس بصحيح لأنها لا تسمى لحما ولا يقصد بها ما يقصد به، وتخالفه في اللون والذوب والطعم فلم يحنث بأكلها كشحم البطن.
(فرع) كل ما كان مقيدا بالنعت أو بالإضافة لا ينصرف إليه اليمين إذا أطلق كمن حلف لا يأكل تمرأ فإنه لا يتناول التمر الهندي أو الشحم فلا يتناول الشحم