والقول الثاني أن موجبه أحد الامرين من القصاص أو الدية. والدليل عليه أن له أن يختار ما شاء منهما، فكان الواجب أحدهما كالهدى والطعام في جزاء الصيد، فإذا قلنا إن الواجب هو القصاص وحده فعفا عن القصاص مطلقا سقط القصاص ولم تجب الدية، لأنه لا يجب له غير القصاص وقد أسقطه بالعفو، وإن قلنا إنه يجب أحد الامرين فعفا عن القصاص وجبت الدية، لان الواجب أحدهما، فإذا ترك أحدهما وجب الآخر، وإن أختار الدية سقط القصاص وثبت المال ولم يكن له أن يرجع إلى القصاص وإن قال اخترت القصاص فهل له أن يرجع إلى الدية؟ فيه وجهان (أحدهما) له يرجع لان القصاص أعلى، فجاز أن ينتقل عنه إلى الأدنى (والثاني) ليس له أن يرجع إلى الدية لأنه تركها فلم يرجع إليها كالقصاص، فإن جنى عبد على رجل جناية توجب القصاص فاشتراه بأرش الجناية سقط القصاص لان عدوله إلى الشراء اختيار للمال. وهل يصح الشراء؟ ينظر فيه، فإن كانا لا يعرفان عدد الإبل وأسنانها لم يصح الشراء لأنه بيع مجهول، فإن كانا يعرفان العدد والأسنان ففيه قولان (أحدهما) لا يصح الشراء، لان الجهل بالصفة كالجهل بالعدد والسن، كما قلنا في السلم.
(والثاني) أنه يصح لأنه مال مستقر في الذمة تصح المطالبة به، فجاز البيع به كالعوض في القرض (فصل) فإن كان القصاص لصغير لم يجز للولي أن يعفو عنه على غير مال.
لأنه تصرف لاحظ للصغير فيه، فلا يملكه الولي كهبة ماله، وان أراد أن يعفو على مال - فإن كان له مال أو له من ينفق عليه - لم يجز العفو لأنه يفوت عليه القصاص من غير حاجة، وإن لم يكن له مال ولا يمن ينفق عليه ففيه وجهان.
(أحدهما) يجوز العفو على مال لحاجته إلى المال ليحفظ به حياته (والثاني) لا يجوز وهو المنصوص لأنه يستحق النفقة في بيت المال، ولا حاجة به إلى العفو عن القصاص، وإن كان المقتول لا وارث له غير المسلمين كان الامر إلى السلطان،