قد عفوت عن نصيبي من القود، فقال عمر رضي الله عنه: نجا من القتل، وكذلك ورى عن ابن مسعود ولا مخالف لهما في الصحابة فدل على أنه اجماع، ولان القصاص يقع مشتركا لا يتبعض، فإذا سقط بعضه سقط الجميع، وينتقل حق الباقين إلى الدية، لما أن رجلا دخل على امرأته فوجد معها رجلا فقتلها، فقال بعض إخوتها قد تصدقت، فقضى عمر لسائرهم بالدية، ولان حقهم سقط من القصاص بغير اختيارهم فانتقل حقهم إلى البدل مع وجوده كما ينتقل حق الشريك في العبد إذا أعتقه شريكه إلى القيمة.
(فرع) إذا وجب له القصاص على رجل فرمى إليه بسهم أو بحرية ثم عفا عنه بعد الرمي وقبل الإصابة لم يصح العفو لأنه لا معنى لهذا العفو كما لو جرحه ثم عفا عنه، وان وجب له القصاص فقد ذكرنا أنه يجوز له أن يوكل من يستوفى له القصاص بحضرة الموكل. وهل يصح أن يوكل من يستوفى له القصاص، فيه ثلاث طرق سبق لنا بيانها في الوكالة، وقلنا الصحيح أنه يصح قال ابن الصباغ: الا أنا إذا قلنا لا تصح الوكالة فاستوفى الوكيل القصاص فقد حصل به الاستيفاء، لأنه استوفاه بإذنه كما نقول فيه إذا باع الوكيل في الوكالة الفاسدة، وإنما يقيد فسادها هاهنا أن الحاكم لا يمكن الوكيل من الاستيفاء فلو وكل في الاستيفاء ثم عفا الموكل عن القصاص، فإن عفا بعد أن قتله الوكيل لم يصح عفوه، فإن عفا قبل أن يقتله الوكيل ثم قتله بعد علمه بالعفو فعلى الوكيل القود، وان لم يعلم هل كان العفو قبل القتل أو بعده؟ فلا شئ على الوكيل، لان الأصل أن لا عفو، وان عفا الموكل عن القصاص ثم قتله الوكيل ولم يعلم بالعفو فهل يصح العفو؟ فيه قولان (أحدهما) لا يصح العفو لأنه عفا في وقت لا يمكن تلافيه فلم يصح، كما لو عفا بعد رمى الحرية إلى الجاني (والثاني) يصح لأنه عفا عن قود غير متحتم قبل أن يشرع فيه الوكيل.
فصح كما لو علم الوكيل بالعفو قبل القتل واختلف أصحابنا في مأخذ القولين، فمنهم من قال أصلهما القولان في الوكيل هل ينعزل قبل أن يعلم بالعزل، ولم يذكر ابن الصباغ غيره، ومن أصحابنا