كل هذه الصور لم يحنث بأكلها، لان اليمين تعلقت على العين والصفة، فكما أنه لا يحنث بغير العين فكذلك لا يحنث بغير الصفة.
وقال أبو العباس بن سريج: يحنث لان اليمين تنعقد على العين والعين باقية وزوال الصفة لا يؤثر في جوهرها، كما لو حلف لا يأكل هذا الحمل فذبحه وأكله فإنه يحنث، والى هذا ذهب أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، والمذهب الأول لما قررنا من اجتماع العين والاسم، ويفارق الحمل لان أكله حيا ممنوع بالشرع وممنوع بالعرف بغير يمين (فرع) " وان حلف لا يأكل هذا الرطب الخ " إذا تغيرت حقيقة الشئ بصنعة فلا يتعلق الحنث به. أما إذا تغير بغير صنعة كمن حلف لا يأكل الرطب فأكله تمرا، أو لا يأكل هذا الحمل فأكله كبشا أو لا يكلم هذا الصبي فكلمه شيخا ففيه وجهان. ذهب أبو علي بن أبي هريرة إلى أنه لا يحنث كما قلنا في الحنطة صارت دقيقا (والثاني) أنه يحث لما ذكره المصنف. وذهب أصحاب الرأي وأحمد بن حنبل إلى أنه لا يحنث، لأنه إذا لم يعنى المحلوف عليه ولم ينو بيمينه ما يخالف ظاهر اللفظ ولا صرفه السبب عنه تعلقت يمينه بما تناوله الاسم الذي علق عليه يمينه ولم يتجاوزه، فإذا حلف لا يأكل رطبا لم يحنث إذا أكل تمرا ولا بسرا ولا بلحا ولا سائر ما لا يسمى رطبا: وهذا في قول أكثر الفقهاء وقال ابن قدامة ولا نعلم فيه خلافا.
ولو حلف لا يأكل عنبا فأكل زبيبا أو دبسا أو خلا أو ناطقا أو لا يكلم شابا فكلم شيخا، أولا يشترى جديا فاشترى تيسا، أو لا يضرب عبدا فضرب عتيقا لم يحنث بغير خلاف لان اليمين تعلقت بالصفة دون العين ولم توجد الصفة فجرى مجرى قوله: لا أكلت هذه التمرة فأكل غيرها.
(فرع) فإن حلف لا يأكل رطبا فأكل منصفا - وهو الذي بعضه بسر وبعضه تمر - أو مذنبا - وهو الذي بدأ الأرطاب فيه من ذنبه وباقيه بسر - أو حلف لا يأكل بسرا فأكل مذنبا ففيه وجهان.
(أحدهما) وهو الأظهر أنه يحنث، لأنه أكل رطبا وبسرا فحنث، كما لو أكل نصف رطبة ونصف بسرة منفردتين. وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد ومحمد