(أحدهما) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إنه لا يحنث كما لا يحنث في الحنطة إذا صارت دقيقا فأكله.
(والثاني) أنه يحنث لان الانتقال حدث فيه من غير صنعة، وفي الحنطة الانتقال حدث فيها بصنعة، وهذا لا يصح لأنه يبطل به إذا حلف لا يأكل هذا البيض فصار فرخا، أو لا يأكل هذا الحب فصار زرعا فإنه لا يحنث. وإن كان الانتقال حدث فيه من غير صنعة وإن حلف لا يشرب هذا العصير فصار خمرا، أو لا يشرب هذا الخمر فصار خلا فشربه لم يحنث كما قلنا في الحنطة إذا صارت دقيقا. وإن حلف لا يلبس هذا الغزل فنسج منه ثوبا حنث بلبسه، لان الغزل لا يلبس إلا منسوجا فصار كما لو حلف لا يأكل هذا الحيوان فذبحه وأكله.
(فصل) وإن حلف لا يشرب هذا السويق فأستفه، أو لا يأكل هذا الخبز فدقه وشربه أو ابتلعه من غير مضغ لم يحنث، لان الافعال أجناس مختلفة كالأعيان، ثم لو حلف على جنس من الأعيان لم يحنث بجنس آخر، فكذلك إذا حلف على جنس من الافعال لم يحنث بجنس آخر وإن حلف لا يذوق هذا الطعام فذاقه ولفظه ففيه وجهان. أحدهما لا يحنث لأنه لا يوجد حقيقة الذوق ما لم يزدرده، ولهذا لا يبطل به الصوم. والثاني أنه يحنث لان الذوق معرفة الطعم وذلك يحصل من غير ازدراد، وإن حلف لا يذوقه فأكله أو شربه حنث لأنه قد ذاق وزاد عليه. وإن حلف لا يأكل ولا يشرب ولا يذوق فأوجر في حلقه حتى وصل إلى جوفه لم يحنث، لأنه لم يأكل ولم يشرب ولم يذق.
وان قال: والله لا طعمت هذا الطعام فأوجر في حلقه حنث، لان معناه لا جعلته لي طعاما وقد جعله طعاما له.
(الشرح) ان حلف على شئ بعينه وصفته فتغيرت صفته تبعا لتغير هيئته كمن حلف لا يأكل هذه الحنطة فطحنها دقيقا، فإنها سميت دقيقا، أو حلف لا يأكل هذا الدقيق فعجنه عجينا، أو لا يأكل هذا العجين في التنور خبزا.