فإن رأى القصاص اقتص، وان رأى العفو على مال عفا، لان الحق للمسلمين فوجب على الامام أن يفعل ما يراه من المصلحة، فإن أراد أن يعفو على غير مال لم يجز لأنه تصرف لاحظ فيه للمسلمين فلم يملكه (الشرح) حديث أبي شريح الكعبي مضى تخريجه مع ترجمة راويه آنفا.
أما الأحكام فإنه إذا قتل غيره عمدا وهما متكافئان فما الذي يجب على القاتل؟
فيه قولان (أحدهما) أن الواجب عليه هو القود وحده، وإنما الدية تجب بالعفو بدلا عنه، وهو قول أبي حنيفة، وهو اختيار القاضي أبى الطيب لقوله تعالى " كتب عليكم القصاص في القتلى " إلى قوله " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " فموضع الدليل أنه قال " كتب عليكم القصاص " ولم يذكر الدية فعلم أنها لم تجب بالقتل، وأيضا فإنه قال " فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف " فأمره باتباع الدية إذا عفا عن القود فعلم أن الدية تجب بالعفو لا بالقتل، ولان ما ضمن بالبدل في حق الآدمي ضمن ببدل معين كالمال وقولنا ضمن ببدل احتراز من العين المغصوبة إذا كانت باقية، وقولنا في حق الآدمي احتراز من جزاء الصيد والقول الثاني: أن الواجب عليه أحد شيئين: القود أو الدية، فإن استفاد الولي علمنا أن الواجب كان هو القود، وان عفا عن القود على الدية علمنا أن الواجب كان هو الدية، وهو اختيار الشيخ أبى حامد لقوله صلى الله عليه وسلم " فمن قتل بعده قيلا فأهله بين خيرتين، ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية فخيرهم بين القود والدية، فعلم أنهما سواء في الوجوب.
إذا تقرر هذه فقال الولي عفوت عن القود على الدية سقط القود ووجبت الدية على القولين وان قال عفوت عن القود والدية سقطا جميعا على القولين، وان قال عفوت عن القود وأطلق، فإن قلنا إن الواجب بقتل العمد أحد شيئين وجبت الدية لأنها واجبة لم يعف عنها. وان قلنا الواجب القود وحده، ففيه طريقان، من أصحابنا من قال فيه قولان. فمنهم من يحكيهما وجهين (أحدهما) لا تجب الدية