والصواب أن ذلك جار في سائر الألفاظ صريحها وكنايتها. ولا فرق بين ألفاظ العتق والطلاق، فلو قال غلامي غلام حر لا يأتي الفواحش، أو أمتي حرة لا تبغى الفجور ولم يخطر بباله العتق ولا نواه لم يعتق بذلك قطعا، وكذلك لو كان معه امرأته في طريق فقيل له أين امرأتك؟ فقال فارقتها أو سرح شعرها وقال سرحتها ولم يردها طلاقها لم تطلق. وكذا إذا ضربها الطلق وقال لغيره اخبارا عنها بذلك أنها طالق لم تطلق بذلك. وكذلك إذا كانت المرأة في وثاق فأطلقت منه فقال لها: أنت طالق وأراد من الوثاق.
هذا كله مذهب مالك وأحمد في بعض هذه الصور وبعضها نظير ما نص عليه ولا يقع به الطلاق حتى ينويه ويأتي بلفظ دال عليه، فلو تفرد أحد الامرين عن الآخر لم يقع الطلاق ولا العتاق، وتقسيم الألفاظ إلى صريح وكناية، وإن كان تقسيما صحيحا في أصل الوضع، لكن يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة فليس حكما ثابتا للفظ لذاته، قرب لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين أو صريح في زمان أو مكان كناية في غير ذلك الزمان والمكان، والواقع شاهد بذلك، فهذا لفظ السراح لا يكاد أحد يستعمله في الطلاق لا صريحا ولا كناية فلا يسوغ أن يقال: إن من تكلم به لزمه طلاق امرأته نواه أو لم ينوه ويدعى أنه ثبت له عرف الشرع والاستعمال، فإن هذه دعوة باطلة شرعا واستعمالا. أما الاستعمال فلا يكاد أحد يطلق به البتة. وأما الشرع فقد استعمله في غير الطلاق كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) فهذا السراح غير الطلاق قطعا.
وكذلك الفراق استعمله الشرع في غير الطلاق كقوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن - إلى قوله - فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف " فالامساك هنا الرجعة والمفارقة ترك الرجعة لا انشاء طلقه ثانيه. هذا مما لا خلاف فيه البتة: فلا يجوز أن يقال: إن من تكلم به طلقت زوجته، فهم معناه أو لم يفهم، وكلاهما في البطلان سواء وقال في البيان: ان قال له رجل: أخليت امرأتك أو أبنتها؟ وما أشبه ذلك