فإذا ثبت الدين فلا يبتدئ الحاكم بالحجر إلا بعد مسألة الغرماء، فإن سألوا الحجر عليه واختلفوا فإنه يحجر عليه، ويقبل ممن يطالب بالحجر لأن الحق لهم فلا يجز الحكم به إلا بعد مسألتهم، فإذا سألوه لم يخل ماله من أحد أمرين: إما أن لا يفي بقضاء ديونه أو يفي.
فإن لم يف فإن الحاكم يحجر عليه، ومعرفة عجز ماله أن يقابل المال الذي في يده بالديون التي في ذمته، فإن كانت الديون أكثر تبين أن ماله لا يفي بقضائها، وهل يحسب الأعيان التي هي معوضات الديون في يده من جملة المال أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يحسب الدين الذي هو معوضة في يده من جملة الديون ولا يحسب معوضة من جملة المال ويحسب ما سوى ذلك.
والثاني: يحسب جميع الديون ويقابلها بسائر ماله سواء كانت معوض بعضها موجودا في ماله أو لم يكن، وإذا ثبت الوجهان فكل من وجد من الغرماء عين ماله كان أحق به، وإن أراد أن يضرب بدينه مع الغرماء ويترك العين كان له ذلك على ما مضى، هذا إذا كان ماله لا يفي بقضاء ديونه.
فإن كان ماله يفي بديونه فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن لا تظهر عليه أمارات الفلس أو تظهر.
فإن لم تظهر فيكون رأس ماله مبقى ودخله مثل خرجه فلا يحجر عليه الحاكم لكنه يأمره ببيع ماله وقسمته بين غرمائه، فإن فعل وإلا حبسه، فإن فعل وإلا باع عليه ماله.
وإن ظهرت عليه أمارات الفلس بأن يكون خرجه أكثر من دخله وقد ابتدأ بنفقة رأس ماله فهل يحجر عليه أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يحجر عليه، والآخر لا يحجر عليه، لأن في ماله وفاء لديونه، وهو الأولى، فمن قال: لا يحجر عليه، كان الحكم على ما مضى، ومن قال: يحجر عليه، فهل يكون من وجد منهم عين ماله أحق بها أم لا؟ قيل فيه وجهان: