وما ضاع من الثمن فهو من مال المفلس لأن الثمن ملك له لا يملكه الغرماء إلا بقبضه، وإنما يتعلق به حق الغرماء، وقد ذكرنا أنه يبدأ ببيع الرهن والعبد الجاني، هذا إذا لم يكن في ماله ما يخاف هلاكه مثل الفاكهة الرطبة والبقول والبطيخ وأشباه ذلك فإنه يبدأ أولا ببيع ما يخاف هلاكه، ثم يبيع الرهن والعبد الجاني، ثم يباع الحيوان لأنه يحتاج إلى مؤن ويخاف عليه الموت، ثم يباع المتاع والأثاث والأواني وكلما ينقل ويحول لأنه يخاف عليه السرقة، ثم العقار ويأمر الدلال بعرضه وهو أولى من النداء عليه لأن النداء عليه ينقص من ثمنه ويكون عرضه على أرباب الأموال الذين يرغبون في شراء العقار، ويتأنى في ذلك إلى أن يظهر أمره وينشر خبره ثم يبيعه بما جاء من ثمنه إن كان ثمن مثله، وإن كان دون ذلك فلا يبيعه.
وإذا باع الحاكم الرهن سلم ثمنه إلى المرتهن لأنه ينفرد به لا يشاركه سائر الغرماء فيه إلا أن يفضل على دينه فيكون لهم الفاضل، وكذلك العبد الجاني يسلم ثمنه إلى المجني عليه، ويكون له لا يشاركه سائر الغرماء فيه.
وأما ثمن غيرهما من المتاع والعقار ينظر فيه: فإن كان كثيرا يمكن قسمته بين الغرماء كانت قسمته أولى من تأخيره لأنه يخاف عليه التلف، وإذا دفع إلى الغرماء سقط الدين وبرئت ذمته فالتقديم أولى، وإن كان ما يحصل يسيرا ويحتاج إلى جمعه حتى يحصل منه ما يمكن تفرقته وقسمته فإنه ينظر: فإن كان يمكن أن يجعل قرضا في ذمة ثقة ملي كان أولى من جعله وديعة في يده لأن الوديعة تتلف من غير ضمان والقرض مضمون على المستقرض، وإن لم يجد من يستقرضه جعله وديعة لأنه موضع الحاجة.
وإذا دفع رجل إلى الحاكم وسأل الحجر عليه فلا يجيبهم إلى مسألتهم إلا بعد أن تثبت عليه الديون لأن سبب الحجر هو الدين فلا يجوز إلا بعد ثبوته، وثبوت الدين بأحد شيئين: إما بإقرار من عليه الدين أو ببينة وهي شاهدان عدلان أو شاهد واحد وامرأتان أو شاهد ويمين.