منعه من ذلك وإن نقص ماء البئر الأول لأن الانسان مسلط على ملكه. والفرق بين الملك والموات فيما ذكرناه: أن الموات يملك بالإحياء فمن سبق إلى حفر بئر ملك حريمه وكان أحق به من غيره، وليس كذلك الملك لأن ملك كل واحد من المالكين مستقر ثابت وللمالك أن يفعل ما شاء في ملكه بغير اعتراض عليه، وإذا حفر بئرا في داره وأراد جاره حفر بالوعة أو خلاء بقرب هذا البئر لم يكن له أيضا منه من ذلك وإن أدى إلى تغيير ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر ماء بئره لقرب البالوعة والخلاء منها لأن له التصرف في ملكه كيف شاء وأراد.
وإذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب أرض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان الغراسين ويلتقي عروقهما كان للأول منعه من ذلك، وإذا أقطع السلطان إنسانا قطعة من الموات كان أحق بها من غيره وكذلك إذا تحجر من الموات أرضا، والتحجر أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الأحياء مثل أن يحوط عليها حائطا أو ما جرى مجرى ذلك من آثار الأحياء فإنه أحق بها من غيره وإقطاع السلطان بمنزلة التحجر.
وإذا أخر الأحياء وقال له السلطان إما أن تحييها أو تخلي عنها ليحييها غيرك، فإن ذكر في ذلك عذرا منعه من الأحياء مثل أن الأكارين والعمال الذين معه هربوا وأن آلاته التي للعمل عابت أو ما أشبه ذلك وسأل التأجيل في ذلك السلطان، وإن لم يكن له عذر وخيره السلطان بين الأمرين فلم يفعل شيئا أخرجها من يده، فإن وثب عليها غيره وأحياها قبل أن يخرجها السلطان من يده لم يملكها بذلك الأحياء، وإذا تحجر انسان أرضا وباعها لم يصح بيعها لأن رقبة الأرض لا يملك بالإحياء وإنما يملك التصرف فيها بشرط أن يؤدى ما يلزمه عليها إلى الإمام.
وما لا يملكه أحد ولا يملكه إلا بما يستحدث فيه، وذلك مثل الموات من الأرض وقد سلف ذكر ذلك فإنما يملك بالإحياء التصرف فيه بإذن الإمام وإنه أحق به من غير بحق، ويجوز للإمام أن يقطعه من غير إحياء ولا تحجير لأن الموات ملكه فله أن يقطعه من غير خلاف، وما كان من المعادن ظاهرا مثل الماء والكبريت والملح والنفط والقير والمومياء