لا يشرب حتى يسكر النهر لم يجز أن يسكره على الأسفل ولكن يشرب بحصته، فإن تراضوا على أن يسكره الأعلى على الأسفل حتى يشرب كان ذلك جائزا، ويجوز أن يصطلحوا على شرب كل واحد منهم في يومه، فإن اختلفوا لم يجز لأحد منهم أن يسكره على آخر، وإذا أراد واحد منهم أن يكري نهرا لم يكن ذلك له إلا برضا أصحابه، وكذلك لو أراد واحد منهم أن ينصب عليه رحى لم يجز له ذلك أيضا إلا برضا الباقين، اللهم إلا أن يكون النهر أو الماء لا يستضر بالرحى فإنه يجوز ذلك.
وإذا احتاج هذا النهر إلى كري وتنقية ونظافة وإصلاح كانت تنقيته على الجميع من أعلاه إلى مفتتح الماء إلى أقرب الأراضي إلى الفوهة، فإذا جاوز ذلك رفعت النفقة عن صاحب تلك الأرض وكانت النفقة على من بعده حتى ينتهي إلى من يليه فترفع عند حصته من النفقة مع الشركاء من أهل الأسافل، وهكذا أبدا كلما انتهى العمل إلى حق أحدهم كانت النفقة على من بعده دونه.
والأنهار الكبار مثل دجلة والفرات والنيل وسيحان وجيحون وما أشبه ذلك فجميع المسلمين فيها شرع واحد وكل واحد منهم له شرب أرضه وزرعه ونخله وشجره وسائر منافعه لا يحبس الماء عن أحد دون أحد ولا لإنسان أن يمنع منه غيره، وإذا أراد انسان أن يكري منه نهرا في أرضه أو في أرض موات قد أذن له في إحيائها ولا ضرر على غيره فيها، كان له ذلك إلا أن يكون ما يحدثه مما ذكرناه فيه ضرر على النهر الأعظم، فإن الإمام يمنعه من ذلك وكذلك الحكم لو أراد أن يعمل مصنعة لشرب السابلة أو الحيوان ويجري الماء إليها من النهر الأعظم في أرض يملكها أو موات قد أذن له فيها سواء.
وإذا احتاج النهر الأعظم إلى عمل جنابه إن حصل خوف من الغرق منه، أو من أن يغلب ماؤه فينصرف إلى بعض الجهات التي تستضر بانصرافه إليها كان على السلطان كريه وعمل جنابه ومسناته، وكذلك ما كان من الأنهار الصغار التي تؤخذ من النهر الأعظم لسقي أرض الخراج من البلاد المفتتحة عنوة وكان الوالي يأخذ خراجها، فإن حفر هذه الأنهار وعمل جميع ما يحتاج اليد واصلاحه على السلطان، فإن كانت الأراضي التي